(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)(١٢٥)
____________________________________
له البتة من غير صارف يلويه ولا عاطف يثنيه وللناس متعلق بجاعلك أى لأجل الناس أو بمحذوف وقع حالا من إماما إذ لو تأخر عنه لكان صفة له والإمام اسم لمن يؤتم به وكل نبى إمام لأمته وإمامته عليهالسلام عامة مؤبدة إذ لم يبعث بعده نبى إلا كان من ذريته مأمورا باتباع ملته (قالَ) استئناف مبنى على سؤال مقدر كأنه قيل فماذا قال إبراهيم عليهالسلام عنده فقيل قال (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) عطف على الكاف ومن تبعيضية متعلقة بجاعل أى وجاعل بعض ذريتى كما تقول وزيدا لمن يقول سأكرمك أو بمحذوف أى واجعل فريقا من ذريتى إماما وتخصيص البعض بذلك لبداهة استحالة إمامة الكل وإن كانوا على الحق وقيل التقدير وماذا يكون من ذريتى والذرية نسل الرجل فعولة من ذروت أو ذريت والأصل ذرووة أو ذروية فاجتمع فى الأولى واوان زائدة وأصلية فقلبت الأصلية ياء فصارت كالثانية فاجتمعت واو وياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء فى الياء فصارت ذرية أو فعيلة منهما والأصل فى الأولى ذريوة فقلبت الواو ياء لما سبق من اجتماعهما وسبق إحداهما بالسكون فصارت ذريية كالثانية فأدغمت الياء فى مثلها فصارت ذرية أو فعلية من الذرء بمعنى الخلق والأصل ذريئة فخففت الهمزة بإبدالها ياء كهمزة خطيئة ثم أدغمت الياء الزائدة فى المبدلة أو فعيلة من الذر بمعنى التفريق والأصل ذريرة قلبت الراء الأخيرة ياء لتوالى الأمثال كما فى تسرى وتفضى وتظنى فأدغمت الياء فى الياء كما مر أو فعولة منه والأصل ذرورة فقلبت الراء الأخيرة ياء فجاء الإدغام وقرىء بكسر الذال وهى لغة فيها وقرأ أبو جعفر المدنى بالفتح وهى أيضا لغة فيها (قالَ) استئناف مبنى على سؤال ينساق إليه الذهن كما سبق (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) ليس هذا ردا لدعوته عليهالسلام بل إجابة خفية لها وعدة إجمالية منه تعالى بتشريف بعض ذريته عليهالسلام بنيل عهد الإمامة حسبما وقع فى استدعائه عليهالسلام من غير تعيين لهم بوصف مميز لهم عن جميع من عداهم فإن التنصيص على حرمان الظالمين منه بمعزل من ذلك التمييز إذ ليس معناه أنه ينال كل من ليس بظالم منهم ضرورة استحالة ذلك كما أشير إليه ولعل إيثار هذه الطريقة على تعيين الجامعين لمبادىء الإمامة من ذريته إجمالا أو تفصيلا وإرسال الباقين لئلا ينتظم المقتدون بالأئمة من الأمة فى سلك المحرومين وفى تفصيل كل فرقة من الإطناب ما لا يخفى مع ما فى هذه الطريقة من تخييب الكفرة الذين كانوا يتمنون النبوة وقطع أطماعهم الفارغة من نيلها وإنما أوثر النيل على الجعل إيماء إلى أن إمامة الأنبياء عليهمالسلام من ذريته عليهالسلام كإسمعيل وإسحق ويعقوب ويوسف وموسى وهارون وداود وسليمان وأيوب ويونس وزكريا ويحيى وعيسى وسيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم تسليما كثيرا ليست بجعل مستقل بل هى حاصلة فى ضمن إمامة إبراهيم عليهالسلام تنال كلا منهم فى وقت قدره الله عزوجل وقرىء الظالمون على أن عهدى مفعول قدم على الفاعل اهتماما ورعاية للفواصل وفيه دليل على عصمة الأنبياء عليهمالسلام من الكبائر على الإطلاق وعدم صلاحية الظالم للإمامة وقوله تعالى (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ) أى الكعبة المعظمة غلب عليها غلبة النجم على الثريا معطوف