(قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)(١٣٦)
____________________________________
للأمر أى إن تكونوا كذلك (قُلْ) خطاب للنبى صلىاللهعليهوسلم أى قل لهم على سبيل الرد عليهم وبيان ما هو الحق لديهم وإرشادهم إليه (بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) أى لا نكون كما تقولون بل نكون أهل ملته عليهالسلام وقيل بل نتبع ملته عليهالسلام وقد جوز أن يكون المعنى بل اتبعوا أنتم ملته عليهالسلام أو كونوا أهل ملته وقرىء بالرفع أى بل ملتنا أو أمرنا ملته أو نحن ملته أى أهل ملته (حَنِيفاً) أى مائلا عن الباطل إلى الحق وهو حال من المضاف إليه كما فى رأيت وجه هند قائمة أو المضاف كما فى قوله تعالى (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً) الخ (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) تعريض بهم وإيذان ببطلان دعواهم اتباعه عليهالسلام مع إشراكهم بقولهم عزير ابن الله والمسيح ابن الله (قُولُوا) خطاب للمؤمنين بعد خطابه عليهالسلام برد مقالتهم الشنعاء على الإجمال وإرشاد لهم إلى طريق التوحيد والإيمان على ضرب من التفصيل أى قولوا لهم بمقابلة ما قالوا تحقيقا وإرشادا ضمنيا لهم إليه (آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا) يعنى القرآن قدم على سائر الكتب الإلهية مع تأخره عنها نزولا لاختصاصه بنا وكونه سببا للإيمان بها (وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ) الصحف وإن كانت نازلة إلى إبراهيم عليهالسلام لكن من بعده حيث كانوا متعبدين بتفاصيلها داخلين تحت أحكامها جعلت منزلة إليهم كما جعل القرآن منزلا إلينا والأسباط جمع سبط وهو الحافد والمراد بهم حفدة يعقوب عليهالسلام أو أبناؤه الاثنا عشر وذراريهم فإنهم حفدة إبراهيم وإسحق (وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى) من التوراة والإنجيل وسائر المعجزات الباهرة الظاهرة بأيديهما حسبما فصل فى التنزيل الجليل وإيراد الإيتاء لما أشير إليه من التعميم وتخصيصهما بالذكر لما أن الكلام مع اليهود والنصارى (وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ) أى جملة المذكورين وغيرهم (مِنْ رَبِّهِمْ) من الآيات البينات والمعجزات الباهرات (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) كدأب اليهود والنصارى آمنوا ببعض وكفروا ببعض وإنما اعتبروا عدم التفريق بينهم مع أن الكلام فيما أوتوه لاستلزام عدم التفريق بينهم بالتصديق والتكذيب لعدم التفريق بين ما أوتوه وهمزة أحد إما أصلية فهو اسم موضوع لمن يصلح أن يخاطب يستوى فيه المفرد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث ولذلك صح دخول بين عليه كما فى مثل المال بين الناس ومنه ما فى قوله صلىاللهعليهوسلم ما أحلت الغنائم لأحد سود الرءوس غيركم حيث وصف بالجمع وإما مبدلة من الواو فهو بمعنى واحد وعمومه لوقوعه فى حيز النفى وصحة دخول بين عليه باعتبار معطوف قد حذف لظهوره أى بين أحد منهم وبين غيره كما فى قول النابغة[فما كان بين الخير لو جاء سالما أبو حجر إلا ليال قلائل] أى بين الخير وبينى وفيه من الدلالة صريحا على تحقق عدم التفريق بين كل فرد فرد منهم وبين من عداه كائنا من كان ما ليس فى أن يقال لا نفرق بينهم والجملة حال من الضمير فى آمنا وقوله عزوجل (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) أى مخلصون له ومذعنون حال أخرى منه أو عطف على آمنا.