(فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(١٣٧)
____________________________________
(فَإِنْ آمَنُوا) الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن ما تقدم من إيمان المخاطبين على الوجه المحرر مظنة لإيمان أهل الكتابين لما أنه مشتمل على ما هو مقبول عندهم (بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ) أى بما آمنتم به على الوجه الذى فصل على أن المثل مقحم كما فى قوله تعالى (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ) أى عليه ويعضده قراءة ابن مسعود بما آمنتم به وقراءة أبى بالذى آمنتم به ويجوز أن تكون الباء للاستعانة على أن المؤمن به محذوف لظهوره بمروره آنفا أو على أن الفعل مجرى مجرى اللازم أى فإن آمنوا بما مر مفصلا أو فإن فعلوا الإيمان بشهادة مثل شهادتكم وأن تكون الأولى زائدة والثانية صلة لآمنتم وما مصدرية أى فإن آمنوا إيمانا مثل إيمانكم بما ذكر مفصلا وأن تكون للملابسة أى فإن آمنوا ملتبسين بمثل ما آمنتم ملتبسين به أو فإن آمنوا إيمانا ملتبسا بمثل ما آمنتم إيمانا ملتبسا به من الإذعان والإخلاص وعدم التفريق بين الأنبياء عليهمالسلام فإن ما وجد فيهم وصدر عنهم من الشهادة والإذعان وغير ذلك مثل ما للمؤمنين لا عينه بخلاف المؤمن به فإنه لا يتصور فيه التعدد (فَقَدِ اهْتَدَوْا) إلى الحق وأصابوه كما اهتديتم وحصل بينكم الاتحاد والاتفاق وأما ما قيل من أن المعنى فإن تحروا الإيمان بطريق يهدى إلى الحق مثل طريقكم فقد اهتدوا فإن وحدة المقصد لا تأبى تعدد الطريق فيأباه أن مقام تعيين طريق الحق وإرشادهم إليه بعينه لا يلائم تجويز أن يكون له طريق آخر وراءه (وَإِنْ تَوَلَّوْا) أى أعرضوا عن الإيمان على الوجه المذكور بأن أخلوا بشىء من ذلك كأن آمنوا ببعض وكفروا ببعض كما هو دينهم وديدنهم (فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ) المشاقة والشقاق من الشق كالمخالفة والخلاف من الخلف والمعاداة والعداء من العدوة أى الجانب فإن أحد المخالفين يعرض عن الآخر صورة أو معنى ويوليه خلفه ويأخذ فى شق غير شقه وعدوة غير عدوته والتنوين للتفخيم أى هم مستقرون فى خلاف عظيم بعيد من الحق وهذا لدفع ما يتوهم من احتمال الوفاق بسبب إيمانهم ببعض ما آمن به المؤمنون والجملة إما جواب الشرط كما هى على أن المراد مشاقتهم الحادثة بعد توليتهم عن الإيمان كجواب الشرطية الأولى وإنما أوثرت الجملة الاسمية للدلالة على ثباتهم واستقرارهم فى ذلك وإما بتأويل فاعلموا إنما هم فى شقاق. هذا هو الذى يستدعيه فخامة شأن التنزيل الجليل وقد قيل قوله تعالى (فَإِنْ آمَنُوا) الخ من باب التعجيز والتبكيت على منهاج قوله تعالى (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) والمعنى فإن حصلوا دينا آخر مثل دينكم مماثلا له فى الصعة وانسداد فقد اهتدوا وإذ لا إمكان له فلا إمكان لاهتدائهم ولا ريب فى أنه مما لا يليق بحمل النظم الكريم عليه ولما دل تنكير الشقاق على امتناع الوفاق وأن ذلك مما يؤدى إلى الجدال والقتال لا محالة عقب ذلك بتسلية رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتفريح المؤمنين بوعد النصر والغلبة وضمان التأييد والإعزاز وعبر بالسين الدالة على تحقق الوقوع البتة فقيل (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ) أى سيكفيك شقاقهم فإن الكفاية لا تتعلق بالأعيان بل بالأفعال وقد أنجز عزوجل وعده الكريم بقتل بنى قريظة وسبيهم وإجلاء بنى