(صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ (١٣٨) قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ)(١٣٩)
____________________________________
النضير وتلوين الخطاب بتجريده للنبى صلىاللهعليهوسلم مع أن ذلك كفاية منه سبحانه للكل لما أنه الأصل والعمدة فى ذلك وللإيذان بأن القيام بأمور الحروب وتحمل المؤن والمشاق ومقاساة الشدائد فى مناهضة الأعداء من وظائف الرؤساء فنعمته تعالى فى الكفاية والنصر فى حقه عليهالسلام أتم وأكمل (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) تذييل لما سبق من الوعد وتأكيد له والمعنى أنه تعالى يسمع ما تدعون به ويعلم ما فى نيتك من إظهار الدين فيستحيب لك ويوصلك إلى مرادك أو وعيد للكفرة أى يسمع ما ينطقون به ويعلم ما يضمرونه فى قلوبهم مما لا خير فيه وهو معاقبهم عليه ولا يخفى ما فيه من تأكيد الوعد السابق فإن وعيد الكفرة وعد للمؤمنين (صِبْغَةَ اللهِ) الصبغة من الصبغ كالجلسة من الجلوس وهى الحالة التى يقع عليها الصبغ عبر بها عن الإيمان بما ذكر على الوجه الذى فصل لكونه تطهيرا للمؤمنين من أوضار الكفر وحلية تزينهم بآثاره الجميلة ومتداخلا فى قلوبهم كما أن شأن الصبغ بالنسبة إلى الثوب كذلك وقيل للمشاكلة التقديرية فإن النصارى كانوا يغمسون أولادهم فى ماء أصفر يسمونه المعمودية ويزعمون أنه تطهير لهم وبه يحق نصرانيتهم وإضافتها إلى الله عزوجل مع استناده فيما سلف إلى ضمير المتكلمين للتشريف والإيذان بأنها عطية منه سبحانه لا يستقل العبد بتحصيلها فهى إذن مصدر مؤكد لقوله تعالى (آمَنَّا) داخل معه فى حيز قولوا منتصب عنه انتصاب وعد الله عما تقدمه لكونه بمثابة فعله كأنه قيل صبغة الله صبغة وقيل هى منصوبة بفعل الإغراء أى ألزموا صبغة الله وإنما وسط بينهما الشرطيتان وما بعدهما اعتناء ببيان أنه الإيمان الحق وبه الاهتداء ومسارعة إلى تسليته عليه الصلاة والسلام (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ) مبتدأ وخبر والإستفهام للإنكار والنفى وقوله تعالى (صِبْغَةَ) نصب على تمييز من أحسن منقول من المبتدأ والتقدير ومن صبغته أحسن من صبغته تعالى فالتفضيل جار بين الصبغتين لا بين فاعليهما أى لا صبغة أحسن من صبغته تعالى على معنى أنها أحسن من كل صبغة على ما أشير إليه فى قوله تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ) الخ وحيث كان مدار التفضيل على تعميم الحسن الحقيقى والفرضى المبنى على زعم الكفرة لم يلزم منه أن يكون فى صبغة غيره تعالى حسن فى الجملة الجملة اعتراضية مقررة لما فى صبغة الله من معنى التبجح والابتهاج (وَنَحْنُ لَهُ) أى لله الذى أولانا تلك النعمة الجليلة (عابِدُونَ) شكرا لها ولسائر نعمه وتقديم الظرف للاهتمام ورعاية الفواصل وهو عطف على آمنا داخل معه تحت الأمر وإيثار الاسمية للإشعار بدوام العبادة أو على فعل الإغراء بتقدير القول أى الزموا صبغة الله وقولوا نحن له عابدون فقوله تعالى (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) حينئذ يجرى مجرى التعليل للاغراء (قُلْ أَتُحَاجُّونَنا) تجريد الخطاب للنبى صلىاللهعليهوسلم عقيب الكلام الداخل تحت الأمر الوارد بالخطاب العام لما أن المأمور به من الوظائف الخاصة به عليه الصلاة والسلام وقرىء بإدغام النون والهمزة للإنكار والتوبيخ أى أتجادلوننا (فِي اللهِ) أى فى دينه وتدعون أن دينه الحق هو اليهودية