(كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)(١٥١)
____________________________________
كنتم على خرجتم فإن الخطاب عام لكافة المؤمنين المنتشرين فى الآفاق من الحاضرين والمسافرين فلو قيل وحيثما خرجتم لما تناول الخطاب المقيمين فى الأماكن المختلفة من حيث إقامتهم فيها (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ) من محالكم (شَطْرَهُ) والتكرير لما أن القبلة لها شأن خطير والنسخ من مظان الشبهة والفتنة فبالحرى أن يؤكد أمرها مرة غب أخرى مع أنه قد ذكر فى كل مرة حكمة مستقلة (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) متعلق بقوله تعالى (فَوَلُّوا) وقيل بمحذوف يدل عليه الكلام كأنه قيل فعلنا ذلك لئلا الخ والمعنى أن التولية عن الصخرة تدفع احتجاج اليهود بأن المنعوت فى التوراة من أوصافه أنه يحول إلى الكعبة واحتجاج المشركين بأنه يدعى ملة إبراهيم ويخالف قبلته (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) وهم أهل مكة أى لئلا يكون لأحد من الناس حجة إلا المعاندين منهم الذين يقولون ما تحول إلى الكعبة إلا ميلا إلى دين قومه وحبا لبلده أو بداله فرجع إلى قبلة آبائه ويوشك أن يرجع إلى دينهم وتسمية هذه الكلمة الشنعاء حجة مع أنها أفحش الأباطيل من قبيل ما فى قوله تعالى (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ) حيث كانوا يسوقونها مساق الحجة وقيل الحجة بمعنى مطلق الاحتجاج وقيل الاستثناء للمبالغة فى نفى الحجة رأسا كالذى فى قوله[ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب ضرورة أن لا حجة للظالم وقرىء ألا الذين بحرف التنبيه على أنه استئناف (فَلا تَخْشَوْهُمْ) فإن مطاعنهم لا تضركم شيئا (وَاخْشَوْنِي) فلا تخالفوا أمرى (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) علة لمحذوف يدل عليه النظم الكريم أى وأمرتكم بما مر لإتمام النعمة عليكم لما أنه نعمة جليلة ولإرادتى اهتدائكم لما أنه صراط مستقيم مؤد إلى سعادة الدارين كما أشير إليه فى قوله عزوجل (يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) وفى التعبير عن الإرادة بكلمة لعل الموضوعة للترجى على طريقة الاستعارة التبعية من الدلالة على كمال العناية بالهداية ما لا يخفى أو عطف على علة مقدرة أى واخشونى لأحفظكم عنهم وأتم الخ أو على قوله تعالى (لِئَلَّا يَكُونَ) الخ وتوسيط قوله تعالى (فَلا تَخْشَوْهُمْ) الخ بينهما للمسارعة إلى التسلية والتثبيت وفى الخبر تمام النعمة دخول الجنة وعن على رضى الله عنه تمام النعمة الموت على الإسلام (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ) متصل بما قبله والظرف الأول متعلق بالفعل قدم على مفعوله الصريح لما فى صفاته من الطول والظرف الثانى متعلق بمضمر وقع صفة لرسولا مبينة لتمام النعمة أى ولأتم نعمتى عليكم فى أمر القبلة أو فى الآخرة إتماما كائنا كإتمامى لها بإرسال رسول كائن منكم فإن إرسال الرسول لا سيما المجانس لهم نعمة لا يكافئها نعمة قط وقيل متصل بما بعده أى كما ذكرتم بالإرسال فاذكرونى الخ وإيثار صيغة المتكلم مع الغير بعد التوحيد فيما قبله افتنان وجريان على سنن الكبرياء (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا) صفة ثانية لرسول كاشفة لكمال النعمة (وَيُزَكِّيكُمْ) عطف على يتلو أى يحملكم على ما تصيرون به أزكياء (وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) صفة أخرى مترتبة فى الوجود على التلاوة وإنما وسط بينهما التزكية التى