(فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (١٥٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (١٥٣) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ)(١٥٤)
____________________________________
هى عبارة عن تكميل النفس بحسب القوة العملية وتهذيبها المتفرع على تكميلها بحسب القوة النظرية الحاصل بالتعليم المترتب على التلاوة للإيذان بأن كلا من الأمور المترتبة نعمة جليلة على حيالها مستوجبة للشكر فلو روعى ترتيب الوجود كما فى قوله تعالى (وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) لتبادر إلى الفهم كون الكل نعمة واحدة كما مر نظيره فى قصة البقرة وهو السر فى التعبير عن القرآن تارة بالآيات وأخرى بالكتاب والحكمة رمزا إلى أنه باعتبار كل عنوان نعمة على حدة ولا يقدح فيه شمول الحكمة لما فى تضاعيف الأحاديث الشريفة من الشرائع وقوله عزوجل (وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) صريح فى ذلك فإن الموصول مع كونه عبارة عن الكتاب والحكمة قطعا قد عطف تعليمه على تعليمهما وما ذلك إلا لتفصيل فنون النعم فى مقام يقتضيه كما فى قوله تعالى (وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) عقيب قوله تعالى (نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا) والمراد بعدم علمهم أنه ليس من شأنهم أن يعلموه بالفكر والنظر وغير ذلك من طرق العلم لانحصار الطريق فى الوحى (فَاذْكُرُونِي) الفاء للدلالة على ترتب الأمر على ما قبله من موجباته أى فاذكرونى بالطاعة (أَذْكُرْكُمْ) بالثواب وهو تحريض على الذكر مع الإشعار بما يوجبه (وَاشْكُرُوا لِي) ما أنعمت به عليكم من النعم (وَلا تَكْفُرُونِ) بجحدها وعصيان ما أمرتكم به (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وصفهم بالإيمان إثر تعداد ما يوجبه ويقتضيه تنشيطا لهم وحثا على مراعاة ما يعقبه من الأمر (اسْتَعِينُوا) فى كل ما تأتون وما تذرون (بِالصَّبْرِ) على الأمور الشاقة على النفس التى من جملتها معاداة الكفرة ومقابلتهم المؤدية إلى مقاتلتهم (وَالصَّلاةِ) التى هى أم العبادات ومعراج المؤمنين ومناجاة رب العالمين (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) تعليل للأمر بالاستعانة بالصبر خاصة لما أنه المحتاج إلى التعليل وأما الصلاة فحيث كانت عند المؤمنين أجل المطالب كما ينبئ عنه قوله عليهالسلام وجعلت قرة عينى فى الصلاة لم يفتقر الأمر بالاستعانة بها إلى التعليل ومعنى المعية الولاية الدائمة المستتبعة للنصرة وإجابة الدعوة ودخول مع على الصابرين لما أنهم المباشرون للصبر حقيقة فهم متبوعون من تلك الحيثية (وَلا تَقُولُوا) عطف على استعينوا الخ مسوق لبيان أن لا غائلة للمأمور به وأن الشهادة التى ربما يؤدى إليها الصبر حياة أبدية (لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ) أى هم أموات (بَلْ أَحْياءٌ) أى بل هم أحياء (وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) بحياتهم وفيه رمز إلى أنها ليست مما يشعر به بالمشاعر الظاهرة من الحياة الجسمانية وإنما هى أمر روحانى لا يدرك بالعقل بل بالوحى وعن الحسن رحمهالله أن الشهداء أحياء عند الله تعرض أرزاقهم على أرواحهم فيصل إليهم الروح والفرح كما تعرض النار على آل فرعون غدوا وعشيا فيصل إليهم الألم والوجع قلت رأيت فى المنام سنة