(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (١٥٦) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)(١٥٧)
____________________________________
تسع وثلاثين وتسعمائة أنى أزور قبور شهداء أحد رضى الله تعالى عنهم أجمعين وأنا أتلوا هذه الآية وما فى سورة آل عمران وأرددهما متفكرا فى أمرهم وفى نفسى أن حياتهم روحانية لا جسمانية فبينما أنا على ذلك إذ رأيت شابا منهم قاعدا فى قبره تام الجسد كامل الخلقة فى أحسن ما يكون من الهيئة والمنظر ليس عليه شىء من اللباس قد بدا منه ما فوق السرة والباقى فى القبر خلا أنى أعلم يقينا أن ذلك أيضا كما ظهر وإنما لا يظهر لكونه عورة فنظرت إلى وجهه فرأيته ينظر إلى متبسما كأنه ينبهنى على أن الأمر بخلاف رأيى فسبحان من علت كلمته وجلت حكمته وقيل الآية نزلت فى شهداء بدر وكانوا أربعة عشر وفيها دلالة على أن الأرواح جواهر قائمة بأنفسها مغايرة لما يحس به من البدن تبقى بعد الموت دراكة وعليه جمهور الصحابة والتابعين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وبه نطقت الآيات والسنن وعلى هذا فتخصيص الشهداء بذلك لما يستدعيه مقام التحريض على مباشرة مبادى الشهادة ولاختصاصهم بمزيد القرب من الله عز وعلا (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) لنصيبنكم إصابة من يختبر أحوالكم أتصبرون على البلاء وتستسلمون للقضاء (بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ) أى بقليل من ذلك فإن ما وقاهم عنه أكثر بالنسبة إلى ما أصابهم بألف مرة وكذا ما يصيب به معانديهم وإنما أخبر به قبل الوقوع ليوطنوا عليه نفوسهم ويزداد يقينهم عند مشاهدتهم له حسبما أخبر به وليعلموا أنه شىء يسير له عاقبة حميدة (وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ) عطف على شىء وقيل على الخوف وعن الشافعى رحمهالله الخوف خوف الله والجوع صوم رمضان ونقص من الأموال الزكاة والصدقات ومن الأنفس الأمراض ومن الثمرات موت الأولاد وعن النبىصلىاللهعليهوسلم إذا مات ولد العبد قال الله تعالى للملائكة أقبضتم روح ولد عبدى فيقولون نعم فيقول عزوجل أقبضتم ثمرة قلبه فيقولون نعم فيقول الله تعالى ماذا قال عبدى فيقولون حمدك واسترجع فيقول الله عز وعلا ابنوا لعبدى بيتا فى الجنة وسموه بيت الحمد (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) الخطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم أو لكل من يتأتى منه البشارة والمصيبة ما يصيب الإنسان من مكروه لقوله عليهالسلام كل شىء يؤذى المؤمن فهو له مصيبة وليس الصبر هو الاسترجاع باللسان بل بالقلب بأن يتصور ما خلق له وأنه راجع إلى ربه ويتذكر نعم الله تعالى عليه ويرى أن ما أبقى عليه أضعاف ما استرده منه فيهون ذلك على نفسه ويستسلم والمبشر به محذوف دل عليه ما بعده (أُولئِكَ) إشارة إلى الصابرين باعتبار اتصافهم بما ذكر من النعوت ومعنى البعد فيه للإيذان بعلور تبتهم (عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ