(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ)(١٦٥)
____________________________________
كونها آية ولو روعى الترتيب الخارجى لربما توهم كون المجموع المترتب بعضه على بعض آية واحدة (لَآياتٍ) اسم إن دخلته اللام لتأخره عن خبرها والتنكير للتفخيم كما وكيفا أى آيات عظيمة كثيرة دالة على القدرة القاهرة والحكمة الباهرة والرحمة الواسعة المقتضية لاختصاص الألوهية به سبحانه (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) أى يتفكرون فيها وينظرون إليها بعيون العقول وفيه تعريض بجهل المشركين الذين اقترحوا على النبى صلىاللهعليهوسلم آية تصدقه فى قوله تعالى (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) وتسجيل عليهم بسخافة العقول وإلا فمن تأمل فى تلك الآيات وجد كلا منها ناطقة بوجوده تعالى ووحدانيته وسائر صفاته الكمالية الموجبة لتخصيص العبادة به تعالى واستغنى بها عن سائرها فإن كل واحد من الأمور المعدودة قد وجد على وجه خاص من الوجوه الممكنة دون ما عداه مستتبعا لآثار معينة وأحكام مخصوصة من غير أن تقتضى ذاته وجوده فضلا عن وجوده على نمط معين مستتبع لحكم مستقل فإذن لا بدله حتما من موجد قادر حكيم بوجده حسبما تقتضيه حكمته وتستدعيه مشيئته متعال عن معارضة الغير إذ لو كان معه آخر يقدر على ما يقدر عليه لزم إما اجتماع المؤثرين على أثر واحد أو التمانع المؤدى إلى فساد العالم (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ) بيان لكمال ركاكة آراء المشركين أثر تقرير وحدانيته سبحانه وتحرير الآيات الباهرة الملجئة للعقلاء إلى الاعتراف بها الفائضة باستحالة أن يشاركه شىء من الموجودات فى صفة من صفات الكمال فضلا عن المشاركة فى صفة الألوهية والكلام فى إعرابه كما فصل فى قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ) الخ و (مِنْ دُونِ اللهِ) متعلق بيتخذ أى من الناس من يتخذ من دون ذلك الإله الواحد الذى ذكرت شئونه الجليلة وإيثار الاسم الجليل لتعيينه تعالى بالذات غب تعيينه بالصفات (أَنْداداً) أى أمثالا وهم رؤساؤهم الذين يتبعونهم فيما يأتون وما يذرون لا سيما فى الأوامر والنواهى كما يفصح عنه ما سيأتى من وصفهم بالتبرى من المتبعين وقيل هى الأصنام وإرجاع ضمير العقلاء إليها فى قوله عز وعلا (يُحِبُّونَهُمْ) مبنى على آرائهم الباطلة فى شأنها من وصفهم بما لا يوصف به إلا العقلاء والمحبة ميل القلب من الحب استعير لحبة القلب ثم اشتق منه الحب لأنه أصابها ورسخ فيها والفعل منها حب على حدمد لكن الاستعمال المستفيض على أحب حبا ومحبة فهو محب وذاك محبوب ومحب قليل وحاب أقل منه ومحبة العبد لله سبحانه إرادة طاعته فى أوامره ونواهيه والاعتناء بتحصيل مراضيه فمعنى يحبونهم يطيعونهم ويعظمونهم والجملة فى حيز النصب إما صفة لأندادا أو حالا من فاعل يتخذ وجمع الضمير باعتبار معنى من كما أن إفراده باعتبار لفظها (كَحُبِّ اللهِ) مصدر تشبيهى أى نعت لمصدر مؤكد للفعل السابق ومن قضية كونه مبنيا للفاعل كونه أيضا كذلك والظاهر اتحاد فاعلهما فإنهم كانوا يقرون به تعالى أيضا ويتقربون إليه فالمعنى يحبونهم حبا كائنا كحبهم لله تعالى أى يسوون بينه تعالى وبينهم فى الطاعة والتعظيم وقيل فاعل الحب المذكور هم