(وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (١٧١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)(١٧٢)
____________________________________
فى مثال النفى عدم الإعطاء المستفاد من الفعل المنفى المذكور وأما فيما نحن فيه فهو نفس الاتباع المستفاد من الفعل المقدر إذ هو الذى يقتضيه الكلام السابق أعنى قولهم بل نتبع الخ وأما الاستفهام فخارج عنه وارد عليه لإنكار ما يفيده واستقباح ما يقتضيه لا أنه من تمامه كما فى صورة النفى وكذا الحال فيما إذا كانت الهمزة لإنكار الوقوع ونفيه مع كونه بمنزلة صريح النفى كما سيأتى تحقيقه فى قوله تعالى (أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ) وقيل الواو حالية ولكن التحقيق أن المعنى يدور على معنى العطف فى سائر اللغات أيضا (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا) جملة ابتدائية واردة لتقرير ما قبلها بطريق التصوير وفيها مضاف قد حذف لدلالة مثل عليه ووضع الموصول موضع الضمير الراجع إلى ما يرجع إليه الضمائر السابقة لذمهم بما فى حيز الصلة وللإشعار بعلة ما أثبت لهم من الحكم والتقدير مثل ذلك القائل وحاله الحقيقة لغرابتها بأن تسمى مثلا وتسير فى الآفاق فيما ذكر من دعوته إياهم إلى اتباع الحق وعدم رفعهم إليه رأسا لانهما كهم فى التقليد وإخلادهم إلى ما هم عليه من الضلالة وعدم فهمهم من جهة الداعى إلى الدعاء من غير أن يلقوا أذهانهم إلى ما يلقى عليهم (كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً) من البهائم فإنها لا تسمع إلا صوت الراعى وهتفه بها من غير فهم لكلامه أصلا وقيل إنما حذف المضاف من الموصول الثانى لدلالة كلمة ما عليه فإنها عبارة عنه مشعرة مع ما فى حيز الصلة بما هو مدار التمثيل أى مثل الذين كفروا فيما ذكر من انهما كهم فيما هم فيه وعدم التدبر فيما ألقى إليهم من الآيات كمثل بهائم الذى ينعق بها وهى لا تسمع منه إلا جرس النغمة ودوى الصوت وقيل المراد تمثيلهم فى اتباع آبائهم على ظاهر حالهم جاهلين بحقيقتها بالبهائم التى تسمع الصوت ولا تفهم ما تحته وقيل تمثيلهم فى دعائهم الأصنام بالناعق فى نعقه وهو تصويته على البهائم وهذا غنى عن الإضمار لكن لا يساعده قوله إلا دعاء ونداء فإن الأصنام بمعزل من ذلك وقد عرفت أن حسن التمثيل فيما إذا تشابه أفراد الطرفين (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) بالرفع على الذم أى هم صم الخ (فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) شيئا لأن طريق التعقل هو التدبر فى مبادى الأمور المعقولة والتأمل فى ترتبيها وذلك إنما يحصل باستماع آيات الله ومشاهدة حججه الواضحة والمفاوضة مع من يؤخذ منه العلوم فإذا كانوا صما بكما عميا فقد انسد عليهم أبواب التعقل وطرق الفهم بالكلية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) أى مستلذاته (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ) الذى رزقكموها والالتفات لتربية المهابة (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) فإن عبادته تعالى لا تتم إلا بالشكر له وعن النبى صلىاللهعليهوسلم يقول الله عزوجل إنى والإنس والجن فى نبأ عظيم أخلق ويعبد غيرى وأرزق ويشكر غيرى