لإنكار الوقوع كالتى فى قوله تعالى (أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ) وكلمة لو فى أمثال هذا المقام ليست لبيان انتفاء الشىء فى الزمان الماضى لانتفاء غيره فيه فلا يلاحظ لها جواب قد حذف ثقة بدلالة ما قبلها عليه بل هى لبيان تحقق ما يفيده الكلام السابق بالذات أو بالواسطة من الحكم الموجب أو المنفى على كل حال مفروض من الأحوال المقارنة له على الإجمال بإدخالها على أبعدها منه وأشدها منافاة له ليظهر بثبوته أو انتفائه معه ثبوته أو انتفاؤه مع ما عداه من الأحوال بطريق الأولية لما أن الشىء متى تحقق مع المنافى القوى فلأن يتحقق مع غيره أولى ولذلك لا يذكر معه شىء من سائر الأحوال ويكتفى عنه بذكر الواو العاطفة للجملة على نظيرتها المقابلة لها المتناولة لجميع الأحوال المغايرة لها وهذا معنى قولهم أنها لاستقصاء الأحوال على سبيل الإجمال وهذا المعنى ظاهر فى الخبر الموجب والمنفى والأمر والنهى كما فى قولك فلان جواد يعطى ولو كان فقيرا وبخيل لا يعطى ولو كان غنيا وقولك أحسن إليه ولو أساء إليك ولا تهنه ولو أهانك لبقائه على حاله وأما فيما نحن فيه ففيه نوع خفاء ناشىء من ورود الإنكار عليه لكن الأصل فى الكل واحد إلا أن كلمة لو فى الصور المذكورة متعلقة بنفس الفعل المذكور قبلها وأن ما يقصد بيان تحققه على كل حال هو نفس مدلوله وأن الجملة حال من ضميره أو مما يتعلق به وأن ما فى حيز لو باق على ما هو عليه من الاستبعاد غالبا بخلاف ما نحن فيه لما أن كلمة لو متعلقة فيه بفعل مقدر يقتضيه المذكور وأن ما يقصد بيان تحققه على كل حال مدلوله لا مدلول المذكور من حيث هو مدلوله وأن الجملة حال مما يتعلق به لا مما يتعلق بالمذكور من حيث هو متعلق به وأن المقصود الأصلى إنكار مدلوله باعتبار مقارنته للحالة المذكورة وأما تقدير مقارنته لغيرها فلتوسيع الدائرة وأن ما فى حيز لو لا يقصد استبعاده فى نفسه بل يقصد الإشعار بأنه أمر محقق إلا أنه أخرج مخرج الاستبعاد معاملة مع المخاطبين على معتقدهم لئلا يلبسوا من التصريح بنسبة آبائهم إلى كمال الجهالة والضلالة جلد النمر فيركبوا متن العناد ومبالغة فى الإنكار من جهة اتباعهم لآبائهم حيث كان منكرا مستقبحا عند احتمال كون آبائهم كما ذكر احتمالا بعيدا فلأن يكون منكرا عند تحقق ذلك أولى والتقدير أيتبعون ذلك لو لم يكن آباؤهم لا يعقلون شيئا من الدين ولا يهتدون للصواب ولو كانوا كذلك فالجملة فى حيز النصب على الحالية من آبائهم على طريقة قوله تعالى (أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) كأنه قيل أيتبعون دين آبائهم حال كونهم غافلين وجاهلين ضالين إنكارا لما أفاده كلامهم من الاتباع على أى حالة كانت من الحالتين غير أنه اكتفى بذكر الحالة الثانية تنبيها على أنها هى الواقعة فى نفس الأمر وتعويلا على اقتضائها للحالة الأولى اقتضاء بينا فإن اتباعهم الذى تعلق به الإنكار حيث تحقق مع كون آبائهم جاهلين ضالين فلأن يتحقق مع كونهم عاقلين ومهتدين أولى إن قلت الإنكار المستفاد من الاستفهام الإنكارى بمنزلة النفى ولا ريب فى أن الأولوية فى صورة النفى معتبرة بالنسبة إلى النفى ألا يرى أن الأولى بالتحقق فيما ذكر من مثال النفى عند الحالة المسكوت عنها أعنى عدم الغنى هو عدم الإعطاء لا نفسه فكان ينبغى أن يكون الأولى بالتحقق فيما نحن فيه عند الحالة المسكوت عنها وهى حالة كون آبائهم عاقلين ومهتدين إنكار الاتباع لا نفسه إذ هو الذى يدل عليه أيتبعون الخ فلم اختلفت الحال بينهما قلت لما أن مناط الأولوية هو الحكم الذى أريد بيان تحققه على كل حال وذلك