(إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (١٦٩) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ)(١٧٠)
____________________________________
سورة المائدة من قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) الآية وقرىء خطوات بسكون الطاء وهما لغتان فى جمع خطوة وهى ما بين قدمى الخاطى وقرىء بضمتين وهمزة جعلت الضمة على الطاء كانها على الواو وبفتحتين على أنها جمع خطوة وهى المرة من الخطو (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) تعليل للنهى أى ظاهر العدواة عند ذوى البصيرة وإن كان يظهر الولاية لمن يغويه ولذلك سمى وليا فى قوله تعالى (أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) (إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ) استئناف لبيان كيفية عداوته وتفصيل لفنون شره وإفساده وانحصار معاملته معهم فى ذلك والسوء فى الأصل مصدر ساءه يسوؤه سوءا ومساءة إذا أحزنه يطلق على جميع المعاصى سواء كانت من أعمال الجوارح أو أفعال القلوب لاشتراك كلها فى أنها تسوء صاحبها والفحشاء أقبح أنواعها وأعظمها مساءة (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) عطف على الفحشاء أى وبأن تفتروا على الله بأنه حرم هذا وذاك ومعنى ما لا تعلمون ما لا تعلمون أن الله تعالى أمر به وتعليق أمره بتقولهم على الله تعالى ما لا يعلمون وقوعه منه تعالى لا بتقولهم عليه ما يعلمون عدم وقوعه منه تعالى مع أن حالهم ذلك للمبالغة فى الزجر فإن التحذير من الأول مع كونه فى القبح والشناعة دون الثانى تحذير عن الثانى على أبلغ وجه وآكده وللإيذان بأن العاقل يجب عليه أن لا يقول على الله تعالى ما لا يعلم وقوعه منه تعالى مع الاحتمال فضلا عن أن يقول عليه ما يعلم عدم وقوعه منه تعالى قالوا وفيه دليل على المنع من اتباع الظن رأسا وأما اتباع المجتهد لما أدى إليه ظنه فمستند إلى مدرك شرعى فوجوبه قطعى والظن فى طريقه (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) التفات إلى الغيبة تسجيلا بكمال ضلالهم وإيذانا بإيجاب تعداد ما ذكر من جناياتهم لصرف الخطاب عنهم وتوجيهه إلى العقلاء وتفصيل مساوى أحوالهم لهم على نهج المباثة أى إذا قيل لهم على وجه النصيحة والإرشاد اتبعوا كتاب الله الذى أنزله (قالُوا) لا نتبعه (بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا) أى وجدناهم عليه إما على أن الظرف متعلق بمحذوف وقع حالا من آباءنا وألفينا متعد إلى واحد وإما على أنه مفعول ثان له مقدم على الأول نزلت فى المشركين أمروا باتباع القرآن وسائر ما أنزل الله تعالى من الحجج الظاهرة والبينات الباهرة فجنحوا للتقليد والموصول إما عبارة عما سبق من اتخاذ الأنداد وتحريم الطيبات ونحو ذلك وإما باق على عمومه وما ذكر داخل فيه دخولا أوليا وقيل نزلت فى طائفة من اليهود دعاهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الإسلام فقالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا لأنهم كانوا خيرا منا وأعلم فعلى هذا يعم ما أنزل الله تعالى التوراة لأنها أيضا تدعو إلى الإسلام وقوله عزوجل (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) استئناف مسوق من جهته تعالى ردا لمقالتهم الحمقاء وإظهارا لبطلان آرائهم والهمزة لإنكار الواقع واستقباحه والتعجيب منه لا