(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (١٩٨) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(١٩٩)
____________________________________
نحن متوكلون فيكونون كلا على الناس فأمروا أن يتزودوا ويتقوا الإبرام فى السؤال والتثقيل على الناس (وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ) فإن قضية اللب استشعار خشية الله عزوجل وتقواه حثهم على التقوى ثم أمرهم بأن يكون المقصود بذلك هو الله تعالى فيتبرءوا من كل شىء سواه وهو مقتضى العقل المعرى عن شوائب الهوى فلذلك خص بهذا الخطاب أولو الألباب (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا) أى فى أن تبتغوا أى تطلبوا (فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) عطاء ورزقا منه أى الربح بالتجارة وقيل كان عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقهم فى الجاهلية يقيمونها أيام مواسم الحج وكانت معايشهم منها فلما جاء الإسلام تأثموا منه فنزلت (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ) أى دفعتم منها بكثرة من أفضت الماء إذا صببته بكثرة وأصله أفضتم أنفسكم فحذف المفعول حذفه من دفعت من البصرة وعرفات جمع سمى به كأذرعات وإنما نون وكسر وفيه علمية وتأنيث لما أن تنوين الجمع تنوين المقابلة لا تنوين التمكن ولذلك يجمع مع اللام وذهاب الكسرة تبع ذهاب التنوين من غير عوض لعدم الصرف وههنا ليس كذلك أو لأن التأنيث إما بالتاء المذكورة وهى ليست بتاء اليأنيث وإنما هى مع الالف التى قبلها علامة جمع المؤنث أو بتاء مقدرة كما فى سعاد ولا سبيل إليه لأن المذكورة تأبى تقديرها لما أنها كالبدل منها لاختصاصها بالمؤنث كتاء بنت وإنما سمى الموقف عرفة لأنه نعت لإبراهيم عليهالسلام فلما أبصره عرفه أو لأن جبريل عليهالسلام كان يدور به فى المشاعر فلما رآه قال عرفت أو لأن آدم وحواء التقيا فيه فتعارفا أو لأن الناس يتعارفون فيه وهى من الأسماء المرتجلة إلا من بجعلها جمع عارف قيل وفيه دليل على وجوب الوقوف بها لأن الإفاضة لا تكون إلا بعده وهى مأمور بها بقوله تعالى (ثُمَّ أَفِيضُوا) وقد قال النبى صلىاللهعليهوسلم الحج عرفة فمن أدرك عرفة فقد أدرك الحج أو مقدمة للذكر المأمور به وفيه نظر إذ الذكر غير واجب والأمر به غير مطلق (فَاذْكُرُوا اللهَ) بالتلبية والهليل والدعاء وقيل بصلاة العشاءين (عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) هو جبل يقف عليه الإمام ويسمى قزح وقيل ما بين مأزمى عرفة ووادى محسر ويؤيد الأول ما روى جابر أنه عليه الصلاة والسلام لما صلى الفجر يعنى بالمزدلفة بغلس ركب ناقته حتى أتى المشعر الحرام فدعافيه وكبر وهلل ولم يزل واقفا حتى أسفر وإنما سمى مشعرا لأنه معلم العبادة ووصف بالحرام لحرمته ومعنى عند المشعر الحرام ما يليه ويقرب منه فإنه أفضل وإلا فالمزدلفة كلها موقف إلا وادى محسر (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) أى كما علمكم أو اذكروه ذكرا حسنا كما هداكم هداية حسنة إلى المناسك وغيرها وما مصدرية أو كافة (وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ) من قبل ما ذكر من هدايته إياكم (لَمِنَ الضَّالِّينَ) غير العاملين بالإيمان والطاعة وإن هى المخففة واللام هى الفارقة وقيل هى نافية واللام بمعنى إلا كما فى قوله عز وعلا (وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) (ثُمَّ أَفِيضُوا