(نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٢٢٣) وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(٢٢٤)
____________________________________
نهوا عنه وتكرير الفعل لمزيد العناية بأمر التطهر (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) أى مواضع حرث لكم شبهن بها لما بين ما يلقى فى أرحامهن وبين البذور من المشابهة من حيث أن كلا منهما مادة لما يحصل منه (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ) لما عبر عنهن بالحرث عبر عن مجامعتهن بالإتيان وهو بيان لقوله تعالى (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ (أَنَّى شِئْتُمْ) من أى جهة شئتم. روى أن اليهود كانوا يزعمون أن من أتى امرأته فى قبلها من دبرها يأتى ولده أحول فذكر ذلك لرسول اللهصلىاللهعليهوسلم فنزلت (وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ) أى ما يدخر لكم من الثواب وقيل هو طلب الولد وقيل هو التسمية عند المباشرة (وَاتَّقُوا اللهَ) بالاجتناب عن معاصيه التى من جملتها ما عد من الأمور (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ) فتعرضوا لتحصيل ما تنتفعون به حينئذ واجتنبوا اقتراف ما تفتضحون به (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) الذين تلقوا ما خوطبوا به من الأوامر والنواهى بحسن القبول والامتثال بما يقصر عنه البيان من الكرامة والنعيم المقيم أو بكل ما يبشر به من الأمور التى تسر بها القلوب وتقربها العيون وفيه مع ما فى تلوين الخطاب وجعل المبشر رسول الله صلىاللهعليهوسلم من المبالغة فى تشريف المؤمنين ما لا يخفى (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) قيل نزلت فى عبد الله بن رواحة حين حلف أن لا يكلم ختنه بشير بن النعمان ولا يصلح بينه وبين أخته وقيل فى الصديق رضى الله عنه حين حلف أن لا ينفق على مسطح لخوضه فى حديث الإفك والعرضة فعلة بمعنى مفعول كالقبضة والغرفة تطلق على ما يعرض دون الشىء فيصير حاجزا عنه كما يقال فلان عرضة للخير وعلى المعرض للأمر كما فى قوله [فلا تجعلونى عرضة للوائم] فالمعنى على الوجه الأول لا تجعلوا الله مانعا للأمور الحسنة التى تحلفون على تركها وعبر عنها بالأيمان لملابستها بها كما فى قوله عليهالسلام لعبد الله بن سمرة إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذى هو خير وكفر عن يمينك وقوله تعالى (أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ) عطف بيان لأيمانكم أو بدل منها لما عرفت أنها عبارة عن الأمور المحلوف عليها واللام فى لأيمانكم متعلقة بالفعل أو بعرضة لما فيها من معنى الاعتراض أى لا تجعلوا الله لبركم وتقواكم وإصلاحكم بين الناس عرضة أى برزخا حاجزا بأن تحلفوا به تعالى على تركها أو لا تجعلوه تعالى عرضة أى شيئا يعترض الأمور المذكورة ويحجزها بما ذكر من الحلف به تعالى على تركها وقد جوز أن تكون اللام للتعليل ويتعلق أن تبروا الخ بالفعل أو بعرضة فيكون الأيمان بمعناها وأنت خبير بأنه يؤدى إلى الفصل بين العامل ومعموله بأجنبى وعلى الوجه الثانى لا تجعلوا الله معرضا لأيمانكم تبتذلونه بكثرة الحلف به ولذلك ذم من نزلت فيه ولا تطع كل حلاف مهين بأشنع المذام وجعل الحلاف مقدمتها وأن تبروا حينئذ علة للنهى أى إرادة أن تبروا وتتقوا وتصلحوا لأن الحلاف مجترىء على الله سبحانه غير معظم له فلا يكون برا متقيا ثقة