(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (٢٢٢)
____________________________________
المؤمنين من يقارنهم (إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ) أى إلى الاعتقاد الحق والعمل الصالح الموصلين إليهما وتقديم الجنة على المغفرة مع أن حق التخلية أن تقدم على التحلية لرعاية مقابلة النار ابتداء (بِإِذْنِهِ) متعلق بيدعو أى يدعو ملتبسا بتوفيقه الذى من جملته إرشاد المؤمنين لمقارنيهم إلى الخير ونصيحتهم إياهم فهم أحقاء بالمواصلة (وَيُبَيِّنُ آياتِهِ) المشتملة على الأحكام الفائقة والحكم الرائقة (لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) أى لكى يتذكروا ويعملوا بما فيها فيفوزوا بما دعوا إليه من الجنة والغفران هذا وقد قيل معنى والله يدعو وأولياء الله يدعون وهم المؤمنون على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه تشريفا لهم وأنت خبير بأن الضمير فى المعطوف على الخبر أعنى قوله تعالى (وَيُبَيِّنُ) لله تعالى فيلزم التفكيك وقيل معناه والله يدعو بأحكامه المذكورة إلى الجنة والمغفرة فإنها موصلة لمن عمل بها إليهما وهذا وإن كان مستدعيا لاتحاد مرجع الضميرين الكائنين فى الجملتين المتعاطفتين الواقعتين خبرا للمبتدأ لكن يفوت حينئذ حسن المقابلة بينه وبين قوله تعالى (أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) ولعل الطريق الأسلم ما أوضحناه أولا وإيراد التذكر ههنا للإشعار بأنه واضح لا يحتاج إلى التفكر كما فى الأحكام السابقة (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ) عطف على ما تقدم من مثله ولعل حكاية هذه الأسئلة الثلاثة بالعطف لوقوع الكل عند السؤال عن الخمر وحكاية ما عداها بغير عطف لوقوع كل من ذلك فى وقت على حدة والمحيض مصدر من حاضت المرأة كالمجىء والمبيت روى أن أهل الجاهلية كانوا لا يساكنون الحيض ولا يؤاكلونهن كدأب اليهود والمجوس واستمر الناس على ذلك إلى أن سأل عن ذلك أبو الدحداح فى نفر من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فنزلت (قُلْ هُوَ أَذىً) أى شىء يستقذر منه ويؤذى من يقربه نفرة منه وكراهة له (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ) أى فاجتنبوا مجامعتهن فى حالة المحيض قيل أخذ المسلمون بظاهر الاعتزال فأخرجوهن من بيوتهم فقال ناس من الأعراب يا رسول الله البرد شديد والثياب قليلة فإن آثر ناهن هلك سائر أهل البيت وإن استأثرنا بها هلكت الحيض فقالصلىاللهعليهوسلم إنما أمرتم أن تعتزلوا مجامعتهن إذا حضن ولم يأمركم بإخراجهن من البيوت كفعل الأعاجم وقيل إن النصارى كانوا يجامعونهن ولا يبالون بالحيض واليهود كانوا يفرطون فى الاعتزال فأمر المسلمون بالاقتصاد بين الأمرين (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) تأكيد لحكم الاعتزال وتنبيه على أن المراد به عدم قربانهن لا عدم القرب منهن وبيان لغايته وهو انقطاع الدم عند أبى حنيفة رحمهالله فإن كان ذلك فى أكثر المدة حل القربان كما انقطع وإلا فلا بد من الاغتسالى أو من مضى وقت صلاة وعند الشافعى رحمهالله أن يغتسلن بعدا لانقطاع كما تفصح عنه القراءة بالتشديد وينبى عنه قوله عزوجل (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) فإن التطهر هو الاغتسال (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) من المأتى الذى حلله لكم وهو القبل (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) مما عسى يندر منهم من ارتكاب بعض ما نهوا عنه ومن سائر الذنوب (وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) المتنزهين عن الفواحش والأقذار وفى ذكر التوبة إشعار بمساس الحاجة إليها بارتكاب بعض الناس لما