(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)(٢٣٤)
____________________________________
مِثْلُ ذلِكَ) عطف على قوله تعالى (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَ) الخ وما بينهما تعليل أو تفسير معترض والمراد به وارث الصبى ممن كان ذا رحم محرم منه وقيل عصباته وقال الشافعى رحمهالله هو وارث الأب وهو الصبى أى تمان المرضعة من ماله عند موت الأب ولا نزاع فيه وإنما الكلام فيما إذا لم يكن للصبى مال وقيل الباقى من الأبوين من قوله عليه الصلاة والسلام واجعله الوارث منا وذلك إشارة إلى ما وجب على الأب من الرزق والكسوة (فَإِنْ أَرادا) أى الوالدان (فِصالاً) أى فطاما عن الرضاع قبل تمام الحولين والتنكير للإيذان بأنه فصال غير معتاد (عَنْ تَراضٍ) متعلق بمحذوف ينساق إليه الذهن أى صادرا عن تراض (مِنْهُما) أى من الوالدين لا من أحدهما فقط لاحتمال إقدامه على ما يضر بالولد بأن تمل المرأة الإرضاع ويبخل الأب بإعطاء الأجرة (وَتَشاوُرٍ) فى شأن الولد وتفحص عن أحواله وإجماع منهما على استحقاقه للفطام والتشاور من المشورة وهى استخراج الرأى من شرت العسل إذا استخرجته وتنكيرهما للتفخيم (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) فى ذلك لما أن تراضيهما إنما يكون بعد استقرار رأيهما أو اجتهادهما على أن صلاح الولد فى الفطام وقلما يتفقان على الخطأ (وَإِنْ أَرَدْتُمْ) بيان لحكم عدم اتفاقهما على الفطام والالتفات إلى خطاب الآباء لهزهم إلى الامتثال بما أمروا به (أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ) بحذف المفعول الأول استغناء عنه أى أن تسترضعوا المراضع لأولادكم يقال أرضعت المرأة الصبى واسترضعتها إياه وقيل إنما يتعدى إلى الثانى بحرف الجر يقال استرضعت المرأة للصبى أى أن تسترضعوا المراضع لأولادكم فحذف حرف الجر أيضا كما فى قوله تعالى (وَإِذا كالُوهُمْ) أى كالوا لهم (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) أى فى الاسترضاع وفيه دلالة على أن للأب أن يسترضع للولد ويمنع الأم من الإرضاع (إِذا سَلَّمْتُمْ) أى إلى المراضع (ما آتَيْتُمْ) أى ما أردتم إيتاءه كما فى قوله تعالى (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) وقرىء ما أتيتم من أتى إليه إحسانا إذا فعله وقرىء ما أوتيتم أى من جهة الله عزوجل كما فى قوله تعالى (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) وفيه مزيد بعث لهم إلى التسليم (بِالْمَعْرُوفِ) متعلق بسلمتم أى بالوجه المتعارف المستحسن شرعا وجواب الشرط محذوف لدلالة المذكور عليه وليس التسليم بشرط للصحة والجواز بل هو ندب إلى ما هو الأليق والأولى فإن المراضع إذا أعطين ما قدر لهن ناجزا يدا بيد كان ذلك أدخل فى استصلاح شئون الأطفال (وَاتَّقُوا اللهَ) فى شأن مراعاة الأحكام المذكورة (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فيجازيكم بذلك وإظهار الاسم الجليل فى موضع الإضمار لتربية المهابة وفيه من الوعيد والتهديد ما لا يخفى (وَالَّذِينَ) على حذف المضاف أى وأزواج الذين (يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ) أى تقبض أرواحهم بالموت فإن التوفى هو القبض يقال توفيت مالى من فلان واستوفيته منه أى أخذته وقبضته والخطاب لكافة الناس بطريق التلوين (وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) أو على حذف العائد إلى المبتدأ فى الخبر