(وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)(٢٣٥)
____________________________________
أى يتربصن بعدهم كما فى قولهم السمن منوان بدرهم أى منوان منه وقرىء يتوفون بفتح الياء أى يستوفون آجالهم وتأنيث العشر باعتبار الليالى لأنها غرر الشهور والأيام ولذلك تراهم لا يكادون يستعملون التذكير فى مثله أصلا حتى أنهم يقولون صمت عشرا ومن البين فى ذلك قوله تعالى (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً) ثم (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) ولعل الحكمة فى هذا التقدير أن الجنين إذا كان ذكرا يتحرك غالبا لثلاثة أشهر وإن كان أنثى يتحرك لأربعة فاعتبر أقصى الأجلين وزيد عليه العشر استظهارا إذ ربما تضعف الحركة فلا يحس بها وعموم اللفظ يقتضى تساوى المسلمة والكتابية والحرة والأمة فى هذا الحكم ولكن القياس اقتضى التنصيف فى الأمة وقوله عزوجل (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ) خص الحامل منه وعن على وابن عباس رضى الله عنهم أنها تعتد بأبعد الأجلين احتياطا (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) أى انقضت عدتهن (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) أيها الحكام والمسلمون جميعا (فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ) من التزين والتعرض للخطاب وسائر ما حرم على المعتدة (بِالْمَعْرُوفِ) بالوجه الذى لا ينكره الشرع وفيه إشارة إلى أنهن لو فعلن ما ينكره الشرع فعليهم أن يكفوهن عن ذلك وإلا فعليهم الجناح (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) فلا تعملوا خلاف ما أمرتم به (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) خطاب للكل (فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ) التعريض والتلويح إبهام المقصود بما لم يوضع له حقيقة ولا مجازا كقول السائل جئتك لأسلم عليك وأصله إمالة الكلام عن نهجه إلى عرض منه أى جانب والكناية هى الدلالة على الشىء بذكر لوازمه وروادفه كقولك طويل النجاد للطويل وكثير الرماد للمضياف (مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ) الخطبة بالكسر كالقعدة والجلسة ما يفعله الخاطب من الطلب والاستلطاف بالقول والفعل فقيل هى مأخوذة من الخطب أى الشأن الذى له خطر لما أنها شأن من الشئون ونوع من الخطوب وقيل من الخطاب لأنها نوع مخاطبة تجرى بين جانب الرجل وجانب المرأة والمراد بالنساء المعتدات للوفاة والتعريض لخطبتهن أن يقول لها إنك لجميلة أو صالحة أو نافعة ومن غرضى أن أتزوج ونحو ذلك مما يوهم أنه يريد نكاحها حتى تحبس نفسها عليه إن رغبت فيه ولا يصرح بالنكاح (أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ) أى أضمرتم فى قلوبكم فلم تذكروه تصريحا ولا تعريضا (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ) ولا تصبرون على السكوت عنهن وعن إظهار الرغبة فيهن وفيه نوع توبيخ لهم على قلة التثبت (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) استدراك عن محذوف دل عليه ستذكرونهن أى فاذكروهن ولكن لا تواعدوهن نكاحا بل اكتفوا بما رخص لكم من التعريض والتعبير عن النكاح بالسر لأن مسببه الذى هو الوطء مما يسر به وإيثاره على اسمه للإيذان بأنه مما ينبغى أن يسر به ويكتم وحمله على الوطء ربما يوهم الرخصة فى المحظور الذى هو التصريح بالنكاح وقيل انتصاب سرا على الظرفية أى لا تواعدوهن فى السر على أن المراد بذلك