(وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(٢٤٨)
____________________________________
(وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ) توسيطه فيما بين قوليه المحكيين عنه عليهالسلام للإشعار بعدم اتصال أحدهما بالآخر وتخلل كلام من جهة المخاطبين متفرع على السابق مستتبع للاحق كأنهم طلبوا منه عليهالسلام آية تدل على أنه تعالى اصطفى طالوت وملكه عليهم. روى أنهم قالوا ما آية ملكه فقال (إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ) أى الصندوق وهو فعلوت من التوب الذى هو الرجوع لما أنه لا يزال يرجع إليه ما يخرج منه وتاؤه مزيدة لغير التأنيث كملكوت ورهبوت والمشهور أن يوقف على تائه من غير أن تقلب هاء ومنهم من يقلبها إياها والمراد به صندوق التوراة وكان قد رفعه الله عزوجل بعد وفاة موسى عليهالسلام سخطا على بنى إسرائيل لما عصوا واعتدوا فلما طلب القوم من نبيهم آية تدل على ملك طالوت قال لهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت من السماء والملائكة يحفظونه فأتاهم كما وصف والقوم ينظرون إليه حتى نزل عند طالوت وهذا قول ابن عباس رضى الله عنهما وقال أرباب الأخبار إن الله تعالى أنزل على آدم تابوتا فيه تماثيل الأنبياء عليهمالسلام من أولاده وكان من عود الشمشاد نحوا من ثلاثة أذرع فى ذراعين فكان عند آدم عليهالسلام إلى أن توفى فتوارثه أولاده واحد بعد واحد إلى أن وصل إلى يعقوب عليهالسلام ثم بقى فى أيدى بنى إسرائيل إلى أن وصل إلى موسى عليهالسلام فكان عليه الصلاة والسلام يضع فيه التوراة وكان إذا قاتل قدمه فكانت تسكن إليه نفوس بنى إسرائيل وكان عنده إلى أن توفى ثم تداولته أيدى بنى إسرائيل وكانوا إذا اختلفوا فى شىء تحاكموا إليه فيكلمهم ويحكم بينهم وكانوا إذا حضروا القتال يقدمونه بين أيديهم ويستفتحون به على عدوهم وكانت الملائكة تحمله فوق العسكر ثم يقاتلون العدو فإذا سمعوا من التابوت صيحة استيقنوا النصر فلما عصوا وأفسدوا سلط الله عليهم العمالقة فغلبوهم على التابوت وسلبوه وجعلوه فى موضع البول والغائط فلما أراد الله تعالى أن يملك طالوت سلط عليهم البلاء حتى أن كل من بال عنده ابتلى بالبواسير وهلكت من بلادهم خمس مدائن فعلم الكفار أن ذلك بسبب استهانتهم بالتابوت فأخرجوه وجعلوه على ثورين فأقبل الثوران يسيران وقد وكل الله تعالى بهما أربعة من الملائكة يسوقونهما حتى أتوا منزل طالوت فلما سألوا نبيهم البينة على ملك طالوت قال لهم النبى إن آية ملكه أنكم تجدون التابوت فى داره فلما وجدوه عنده أيقنوا بملكه (فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أى فى إتيانه سكون لكم وطمأنينة كائنة من ربكم أو فى التابوت ما تسكنون إليه وهو التوراة المودعة فيه بناء على ما مر من أن موسى عليهالسلام إذا قاتل قدمه فتسكن إليه نفوس بنى إسرائيل وقيل السكينة صورة كانت فيه من زبرجد أو ياقوت لها رأس وذنب كرأس الهر وذنبه وجناحان فتئن فيزف التابوت نحو العدو وهم يمضون معه فإذا استقر ثبتوا وسكنوا ونزل النصر وعن اعلى رضى الله عنه كان لها وجه كوجه الإنسان وفيها ريح هفافة (وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ)