(وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ)(٢٤٧)
____________________________________
وأربعين نفسا وضربوا عليهم الجزية وأخذوا توراتهم (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ) بعد سؤال النبى صلىاللهعليهوسلم ذلك وبعث الملك (تَوَلَّوْا) أى أعرضوا وتخلفوا لكن لا فى ابتداء الأمر بل بعد مشاهدة كثرة العدو وشوكته كما سيجىء تفصيله وإنما ذكرههنا مآل أمرهم إجمالا إظهار لما بين قولهم وفعلهم من التنافى والتباين (إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) وهم الذين اكتفوا بالغرفة من النهر وجاوزوه وهم ثلثمائة وثلاثة عشر بعدد أهل بدر (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) وعيد لهم على ظلمهم بالتولى عن القتال وترك الجهاد وتنافى أقوالهم وأفعالهم والجملة اعتراض تذييلى (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ) شروع فى تفصيل ما جرى بينه عليهالسلام وبينهم من الأقوال والأفعال إثر الإشارة الإجمالية إلى مصير حالهم أى قال لهم بعد ما أوحى إليه ما أوحى (إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً) طالوت علم عبرى كداود وجعله فعلوتا من الطول يأباه منع صرفه وملكا حال منه روى أنه عليهالسلام لما دعا ربه أن يجعل لهم ملكا أتى بعصا يقاس بها من يملك عليهم فلم يساوها إلا طالوت (قالُوا) استئناف كما مر (أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا) أى من أين يكون أو كيف يكون ذلك (وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ) الواو الأولى حالية والثانية عاطفة جامعة للجملتين فى الحكم أى كيف يتملك علينا والحال أنه لا يستحق التملك لوجود من هو أحق منه ولعدم ما يتوقف عليه الملك من المال وسبب هذا الاستبعاد أن النبوة كانت مخصوصة بسبط معين من أسباط بنى إسرائيل وهو سبط لاوى بن يعقوب عليهالسلام وسبط المملكة بسبط يهوذا ومنه داود وسليمان عليهماالسلام ولم يكن طالوت من أحد هذين السبطين بل من ولد بنيامين قيل كان راعيا وقيل دباغا وقيل سقاء (قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ) لما استبعدوا تملكه بسقوط نسبه وبفقره رد عليهم ذلك أولا بأن ملاك الأمر هو اصطفاء الله تعالى وقد اختاره عليكم وهو أعلم بالمصالح منكم وثانيا بأن العمدة فيه وفور العلم ليتمكن به من معرفة أمور السياسة وجسامة البدن ليعظم خطره فى القلوب ويقدر على مقاومة الأعداء ومكابدة الحروب وقد خصه الله تعالى منهما بحظ وافر وذلك قوله عزوجل (وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ) أى العلم المتعلق بالملك أو به وبالديانات أيضا وقيل قد أوحى إليه ونبئ (وَالْجِسْمِ) قيل بطول القامة فإنه كان أطول من غيره برأسه ومنكبيه حتى أن الرجل القائم كان يمديده فينال رأسه وقيل بالجمال وقيل بالقوة (وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ) لما أنه مالك الملك والملكوت فعال لما يريد فله أن يؤتيه من يشاء من عباده (وَاللهُ واسِعٌ) يوسع على الفقير ويغنيه (عَلِيمٌ) بمن يليق بالملك ممن لا يليق به وإظهار الاسم الجليل لتربية المهابة.