(أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلاَّ تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلاَّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)(٢٤٦)
____________________________________
(أَلَمْ تَرَ) تقرير وتعجيب كما سبق قطع عنه للإيذان باستقلاله فى التعجب مع أن له مزيد ارتباط بما وسط بينهما من الأمر بالقتال (إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) الملأ من القوم وجوههم وأشرافهم وهو اسم للجماعة لا واحد له من لفظه كالرهط والقوم سموا بذلك لما أنهم يملئون العيون مهابة والمجالس بهاء أو لأنهم مليئون بما يبتغى منهم ومن تبعيضية ومن فى قوله تعالى (مِنْ بَعْدِ مُوسى) ابتدائية وعاملها مقدر وقع حالا من الملأ أى كائنين بعض بنى إسرائيل من بعد وفاة موسى ولا ضير فى اتحاد الحرفين لفظا عند اختلافهما معنى (إِذْ قالُوا) منصوب بمضمر يستدعيه المقام أى ألم تر إلى قصة الملأ أو حديثهم حين قالوا (لِنَبِيٍّ لَهُمُ) هو يوشع بن نون بن إفرائيم بن يوسف عليهماالسلام وقيل شمعون بن صعبة بن علقمة من ولد لاوى بن يعقوب عليهماالسلام وقيل أشمويل بن بال بن علقمة وهو بالعبرانية إسمعيل. قال مقاتل هو من نسل هرون عليهالسلام وقال مجاهد أشمويل بن هلقايا (ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ) أى أنهض للقتال معنا أمير انصدر فى تدبير أمر الحرب عن رأيه وقرىء نقاتل بالرفع على أنه حال مقدرة أى ابعثه لنا مقدرين القتال أو استئناف مبنى على السؤال وقرىء يقاتل بالياء مجزوما ومرفوعا على الجواب للأمر والوصف لملكا (قالَ) استئناف وقع جوابا عن سؤال ينساق إليه الذهن كأنه قيل فماذا قال لهم النبى حينئذ فقيل قال (هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا) فصل بين عسى وخبره بالشرط للاعتناء به أى هل قاربتم أن لا تقاتلوا كما أتوقعه منكم والمراد تقرير أن المتوقع كائن وإنما لم يذكر فى معرض الشرط ما التمسوه بأن قيل هل عسيتم أن بعثت لكم ملكا الخ مع أنه أظهر تعلقا بكلامهم بل ذكر كتابة القتال عليهم للمبالغة فى بيان تخلفهم عنه فإنهم إذا لم يقاتلوا عند فرضية القتال عليهم بإيجاب الله تعالى فلأن لا يقاتلوا عند عدم فرضيته أولى ولأن إيراد ما ذكروه ربما يوهم أن سبب تخلفهم عن القتال هو المبعوث لا نفس القتال وقرىء عسيتم بكسر السين وهى ضعيفة (قالُوا) استئناف كما سبق (وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ) أى أى سبب لنا فى أن لا نقاتل (فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا) أى والحال أنه قد عرض لنا ما يوجب القتال إيجابا قويا من الإخراج عن الديار والأوطان والاغتراب من الأهل والأولاد وإفراد الأبناء بالذكر لمزيد تقوية أسباب القتال وذلك أن جالوت رأس العمالقة وملكهم وهو جبار من أولاد عمليق بن عاد كان هو ومن معه من العمالقة يسكنون ساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين وظهروا على بنى إسرائيل وأخذوا ديارهم وسبوا أولادهم وأسروا من أبناء ملوكهم أربعمائة