الحديث دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ومعنى نفيه عن الكتاب أنه فى علو الشأن وسطوع البرهان بحيث ليس فيه مظنة أن يرتاب فى حقيته وكونه وحيا منزلا من عند الله تعالى لا أنه لا يرتاب فيه أحد أصلا ألا يرى كيف جوز ذلك فى قوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا) الخ فإنه فى قوة أن يقال وإن كان لكم ريب فيما نزلنا أو إن ارتبتم فيما نزلنا الخ إلا أنه خولف فى الأسلوب حيث فرض كونهم فى الريب لا كون الريب فيه لزيادة تنزيه ساحة التنزيل عنه مع نوع إشعار بأن ذلك من جهتهم لا من جهته العالية ولم يقصد ههنا ذلك الإشعار كما لم يقصد الإشعار بثبوت الريب فى سائر الكتب ليقتضى المقام تقديم الظرف كما فى قوله تعالى (لا فِيها غَوْلٌ). (هُدىً) مصدر من هداه كالسرى والبكى وهو الدلالة بلطف على ما يوصل إلى البغية أى ما من شأنه ذلك وقيل هى الدلالة الموصلة إليها بدليل وقوع الضلالة فى مقابلته فى قوله تعالى (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) وقوله تعالى (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ولا شك فى أن عدم الوصول معتبر فى مفهوم الضلال فيعتبر الوصول فى مفهوم مقابله ومن ضرورة اعتباره فيه اعتباره فى مفهوم الهدى المتعدى إذ لا فرق بينهما إلا من حيث التأثير والتأثر ومحصله أن الهدى المتعدى هو التوجيه الموصل لأن اللازم هو التوجه الموصل بدليل أن مقابله الذى هو الضلال توجه غير موصل قطعا وهذا كما ترى مبنى على أمرين اعتبار الوصول وجوبا فى مفهوم اللازم واعتبار وجود اللازم وجوبا فى مفهوم المتعدى وكلا الأمرين بمعزل من الثبوت أما الأول فلان مدار التقابل بين الهدى والضلال ليس هو الوصول وعدمه على الإطلاق بل هما معتبران فى مفهوميهما على وجه مخصوص به ليتحقق التقابل بينهما وتوضيحه أن الهدى لا بدفيه من اعتبار توجه عن علم إلى ما من شأنه الإيصال إلى البغية كما أن الضلال لابد فيه من اعتبار الجور عن القصد إلى ما ليس من شأنه الإيصال قطعا وهذه المرتبة من الاعتبار مسلمة بين الفريقين ومحققة للتقابل بينهما وإنما النزاع فى أن إمكان الوصول إلى البغية هل هو كاف فى تحصل مفهوم الهدى أو لا بد فيه من خروج الوصول من القوة إلى الفعل كما أن عدم الوصول بالفعل معتبر فى مفهوم الضلال قطعا إذا تقرر هذا فنقول إن أريد باعتبار الوصول بالفعل فى مفهوم الهدى اعتباره مقارنا له فى الوجود زمانا حسب اعتبار عدمه فى مفهوم مقابله فذلك بين البطلان لأن الوصول غاية للتوجه المذكور فينتهى به قطعا لاستحالة التوجه إلى تحصيل الحاصل وما يبقى بعد ذلك فهو إما توجه إلى الثبات عليه وإما توجه إلى زيادته ولأن التوجه إلى المقصد تدريجى والوصول إليه دفعى فيستحيل اجتماعهما فى الوجود ضرورة وأما عدم الوصول فحيث كان أمرا مستمرا مثل ما يقتضيه من الضلال وجب مقارنته له فى جميع أزمنة وجوده إذ لو فارقه فى آن من آنات تلك الأزمنة لقارنه فى ذلك الآن مقابله الذى هو الوصول فما فرضناه ضلالا لا يكون ضلالا وإن أريد اعتباره من حيث أنه غاية له واجبة الترتب عليه لزم أن يكون التوجه المقارن لغاية الجد فى السلوك إلى ما من شأنه الوصول عند تخلفه عنه لمانع خارجى كاخترام المنية مثلا من غير تقصير ولا جور من قبل المتوجه ولا خلل من جهة المسلك ضلالا إذ لا واسطة بينهما مع أنه لا جور فيه عن القصد أصلا فبطل اعتبار وجوب الوصول فى مفهوم اللازم قطعا