بالخواص من بنيه وإما الخلافة ممن كان فى الأرض قبل ذلك فتعم حينئذ الجميع (قالُوا) استئناف وقع جوابا عما ينساق إليه الأذهان كأنه قيل فماذا قالت الملائكة حينئذ فقيل قالوا (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) وهو أيضا من الجعل المتعدى إلى اثنين فقيل فيهما ما قيل فى الأول والظاهر أن الأول كلمة من والثانى محذوف ثقة بما ذكر فى الكلام السابق كما حذف الأول ثمة تعويلا على ما ذكرهنا قال قائلهم[لا تخلنا على عزائك إنا طالما قد وشى بنا الأعداء] بحذف المفعول الثانى أى لا تخلنا جازعين على عزائك والمعنى أتجعل فيها من يفسد فيها خليفة والظرف الأول متعلق بتجعل وتقديمه لما مر مرارا والثانى بيفسد وفائدته تأكيد الاستبعاد لما أن فى استخلاف المفسد فى محل إفساده من البعد ما ليس فى استخلافه فى غيره هذا وقد جوز كونه من الجعل بمعنى الخلق المتعدى إلى مفعول واحد هو كلمة من وأنت خبير بأن مدار تعجبهم ليس خلق من يفسد فى الأرض كيف لا وأن ما يعقبه من الجملة الحالية الناطقة بدعوى أحقيتهم منه يقضى ببطلانه حتما إذ لا صحة لدعوى الأحقية منه بالخلق وهم مخلوقون بل مداره أن يستخلف لعمارة الأرض وإصلاحها بإجراء أحكام الله تعالى وأوامره أو يستخلف مكان المطبوعين على الطاعة من من شأن بنى نوعه الإفساد وسفك الدماء وهو عليهالسلام وإن كان منزها عن ذلك إلا أن استخلافه مستتبع لاستخلاف ذريته التى لا تخلو عنه غالبا وإنما أظهروا تعجبهم استكشافا عما خفى عليهم من الحكم التى بدت على تلك المفاسد وألغتها واستخبارا عما يزيح شبهتهم ويرشدهم إلى معرفة ما فيهعليهالسلام من الفضائل التى جعلته أهلا لذلك كسؤال المتعلم عما ينقدح فى ذهنه لا اعتراضا على فعل الله سبحانه ولا شكا فى اشتماله على الحكمة والمصلحة إجمالا ولا طعنا فيه عليهالسلام ولا فى ذريته على وجه الغيبة فإن منصبهم أجل من أن يظن بهم أمثال ذلك قال تعالى (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) وإنما عرفوا ما قالوا إما بإخبار من الله تعالى حسبما نقل من قبل أو بتلق من اللوح أو باستنباط عما ارتكز فى عقولهم من اختصاص العصمة بهم أو بقياس لأحد الثقلين على الآخر. (وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) السفك والسفح والسبك والسكب أنواع من الصب والأولان مختصان بالدم بل لا يستعمل أولهما إلا فى الدم المحرم أى يقتل النفوس المحرمة بغير حق والتعبير عنه بسفك الدماء لما أنه أقبح أنواع القتل وأفظعه وقرىء يسفك بضم الفاء ويسفك ويسفك من أسفك وسفك وقرىء يسفك على البناء للمفعول وحذف الراجع إلى من موصولة أو موصوفة أى يسفك الدماء فيهم. (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) جملة حالية مقررة للتعجب السابق ومؤكدة له على طريقة قول من يجد فى خدمة مولاه وهو يأمر بها غيره أتستخدم العصاة وأنا مجتهد فيها كأنه قيل أتستخلف من من شأن ذريته الفساد مع وجود من ليس من شأنه ذلك أصلا والمقصود عرض أحقيتهم منهم بالخلافة واستفسار عما رجحهم عليهم مع ما هو متوقع منهم من الموانع لا العجب والتفاخر فكأنهم شعروا بما فيهم من القوة الشهوية التى رذيلتها الإفراطية الفساد فى الأرض والقوة الغضبية التى رذيلتها الإفراطية سفك الدماء فقالوا ما قالوا وذهلوا عما إذا سخرتهما القوة العقلية ومرنتهما على الخير يحصل بذلك من علو الدرجة ما يقصر عن بلوغ رتبة القوة العقلية عند انفرادها فى أفاعيلها كالإحاطة بتفاصيل أحوال الجزئيات واستنباط الصناعات واستخراج منافع الكائنات من