(وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ)(٣٥)
____________________________________
(وَقُلْنا) شروع فى حكاية ما جرى بينه تعالى وبين آدم عليهالسلام بعد تمام ما جرى بينه تعالى وبين الملائكة وإبليس من الأقوال والأفعال وقد تركت حكاية توبيخ إبليس وجوابه ولعنه واستظهاره وإنظاره اجتزاء بما فصل فى سائر السور الكريمة وهو عطف على قلنا للملائكة ولا يقدح فى ذلك اختلاف وقتيهما فإن المراد بالزمان المدلول عليه بكلمة إذ زمان ممتد واسع للقولين وقيل هو عطف على إذ قلنا بإضمار إذ وهذا تذكير لنعمة أخرى موجبة للشكر مانعة من الكفر وتصدير الكلام بالنداء فى قوله تعالى (يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) للتنبيه على الاهتمام بتلقى المأمور به وتخصيص أصل الخطاب به عليهالسلام للإيذان بأصالته فى مباشرة المأمور به واسكن من السكى وهو اللبث والإقامة والاستقرار دون السكون الذى هو ضد الحركة وأنت ضمير أكد به المستكن ليصح العطف عليه واختلف فى وقت خلق زوجه فذكر السدى عن ابن مسعود وابن عباس وناس من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين أن الله تعالى لما أخرج إبليس من الجنة وأسكنها آدم بقى فيها وحده وما كان معه من يستأنس به فألقى الله تعالى عليه النوم ثم أخذ ضلعا من جانبه الأيسر ووضع مكانه لحما وخلق حواء منه فلما استيقظ وجدها عند رأسه قاعدة فسألها ما أنت قالت امرأة قال ولم خلقت قالت لتسكن إلى فقالت الملائكة تجربة لعلمه من هذه قال امرأة قالوا لم سميت امرأة قال لأنها من المرء أخذت فقالوا ما اسمها قال حواء قالوا لم سميت حواء قال لأنها خلقت من شىء حى وروى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال بعث الله تعالى جندا من الملائكة فحملوا آدم وحواء على سرير من ذهب كما يحمل الملوك ولباسهما النور حتى أدخلوهما الجنة وهذا كما ترى يدل على خلقها قبل دخول الجنة والمراد بها دار الثواب لأنها المعهودة وقيل هى جنة بأرض فلسطين أو بين فارس وكرمان خلقها الله تعالى امتحانا لآدم عليهالسلام وحمل الإهباط على النقل منها إلى أرض الهند كما فى قوله تعالى (اهْبِطُوا مِصْراً) لما أن خلقه عليهالسلام كان فى الأرض بلا خلاف ولم يذكر فى هذه القصة رفعه إلى السماء ولو وقع ذلك لكان أولى بالذكر والتذكير لما أنه من أعظم النعم ولأنها لو كانت دار الخلد لما دخلها إبليس وقيل إنها كانت فى السماء السابعة بدليل اهبطوا ثم إن الإهباط الأول كان منها إلى السماء الدنيا والثانى منها إلى الأرض وقيل الكل ممكن والأدلة النقلية متعارضة فوجب التوقف وترك القطع (وَكُلا مِنْها) أى من ثمارها وإنما وجه الخطاب إليهما تعميما للتشريف والترفيه ومبالغة فى إزالة العلل والأعذار وإيذانا بتساويهما فى مباشرة المأمور به فإن حواء أسوة له عليهالسلام فى الأكل بخلاف السكنى فإنها تابعة له فيه (رَغَداً) صفة للمصدر المؤكد أى أكلا واسعا رافها (حَيْثُ شِئْتُما) أى أى مكان أردتما منها وهذا كما ترى إطلاق كلى حيث أبيح لهما الأكل منها على وجه التوسعة البالغة المزيحة للعلل ولم يحظر عليهما بعض الأكل ولا بعض المواضع الجامعة للمأكولات حتى لا يبقى