(فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ)(٣٦)
____________________________________
لهما عذر فى تناول ما منعا منه بقوله تعالى (وَلا تَقْرَبا) بفتح الراء من قربت الشىء بالكسر أقربه بالفتح إذا التيست به وتعرضت له وقال الجوهرى قرب بالضم يقرب قربا إذا دنا وقربته بالكسر قربانا دنوت منه (هذِهِ الشَّجَرَةَ) نصب على أنه بدل من اسم الإشارة أو نعت له بتأويلها بمشتق أى هذه الحاضرة من الشجرة أى لا تأكلا منها وإنما علق النهى بالقربان منها مبالغة فى تحريم الأكل ووجوب الاجتناب عنه والمراد بها الحنطة أو العنبة أو التينة وقيل هى شجرة من أكل منها أحدث والأولى عدم تعيينها من غير قاطع وقرىء هذى بالياء وبكسر شين الشجرة وتاء تقربا وقرىء الشيرة بكسر الشين وفتح الياء (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) مجزوم على أنه معطوف على تقربا أو منصوب على أنه جواب للنهى وأياما كان فالقرب أى الأكل منها سبب لكونهما من الظالمين أى الذين ظلموا أنفسهم بارتكاب المعصية أو نقصوا حظوظهم بمباشرة ما يخل بالكرامة والنعيم أو تعدوا حدود الله تعالى (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها) أى أصدر زلتهما أى زلقهما وحملهما على الزلة بسببها ونظيرة عن هذه ما فى قوله تعالى (وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) أو أزلهما عن الجنة بمعنى أذهبهما وأبعدهما عنها يقال زل عنى كذا إذا ذهب عنك ويعضده قراءة أزالهما وهما متقاربان فى المعنى فإن الإزلال أى الإزلاق يقتضى زوال الزال عن موضعه البتة وإزلاله قوله لهما هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى وقوله مانها كما ربكما عن الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ومقاسمته لهما إنى لكما لمن الناصحين وهذه الآيات مشعرة بأنه عليهالسلام لم يؤمر بسكنى الجنة على وجه الخلود بل على وجه التكرمة والتشريف لما قلد من خلافة الأرض إلى حين البعث إليها. واختلف فى كيفية توصله إليهما بعد ما قيل له اخرج منها فإنك رجيم فقيل إنه إنما منع من الدخول على وجه التكرمة كما يدخلها الملائكة عليهمالسلام ولم يمنع من الدخول للوسوسة ابتلاء لآدم وحواء وقيل قام عند الباب فناداهما وقيل تمثل بصورة دابة فدخل ولم يعرفه الخزنة وقيل دخل فى فم الحية فدخل معها وقيل أرسل بعض أتباعه فأزلهما والعلم عند الله سبحانه (فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) أى من الجنة إن كان ضمير عنها للشجرة والتعبير عنها بذلك للإيذان بفخامتها وجلالتها وملابستهما له أى من المكان العظيم الذى كانا مستقرين فيه أو من الكرامة والنعيم إن كان الضمير للجنة (وَقُلْنَا اهْبِطُوا) الخطاب لآدم وحواء عليهماالسلام بدليل قوله تعالى (قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً) وجمع الضمير لأنهما أصل الجنس فكأنهما الجنس كلهم وقيل لهما وللحية وإبليس على أنه أخرج منها ثانية بعد ما كان يدخلها للوسوسة أو يدخلها مسارقة أو اهبط من السماء وقرىء بضم الباء (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) حال استغنى فيها عن الواو بالضمير أى متعادين يبغى بعضكم على بعض بتضليله أو استئناف لا محل له من الإعراب وإفراد العدو إما للنظر إلى لفظ البعض وإما لأن وزانه وزان المصدر كالقبول (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ) التى هى محل الإهباط والظرف متعلق بما تعلق به الخبر أعنى لكم من