(وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(٤٢)
____________________________________
بزمانه كما سيجىء فلا تضعوا موضع ما يتوقع منكم ويجب عليكم ما لا يتوهم صدوره عنكم من كونكم أول كافر به ووقوع أول كافر به خبرا من ضمير الجمع بتاويل أول فريق أو فوج أو بتأويل لا يكن كل واحد منكم أول كافر به كقولك كسانا حلة ونهيهم عن التقدم فى الكفر به مع أن مشركى العرب أقدم منهم لما أن المراد به التعريض لا الدلالة على ما نطق به الظاهر كقولك أما أنا فلست بجاهل لأن المراد نهيهم عن كونهم أول كافر من أهل الكتاب أو ممن كفر بما عنده فإن من كفر بالقرآن فقد كفر بما يصدقه أو مثل من كفر من مشركى مكة وأول أفعل لا فعل له وقيل أصله أو أل من وأل إليه إذا نجا وخلص فأبدلت الهمزة واوا تخفيفا غير قياسى أو أأول من آل فقلبت همزته واوا وأدغمت (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي) أى لا تأخذوا لأنفسكم بدلا منها (ثَمَناً قَلِيلاً) من الحظوظ الدنيوية فإنها وإن جلت قليلة مسترذلة بالنسبة إلى مافات عنهم من حظوظ الآخرة بترك الإيمان قيل كانت لهم رياسة فى قومهم ورسوم وهدايا فخافوا عليها لو اتبعوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فاختاروها على الإيمان وإنما عبر عن المشترى الذى هو العمدة فى عقود المعاوضة والمقصود فيها بالثمن الذى شأنه أن يكون وسيلة فيها وقرنت الآيات التى حقها أن يتنافس فيها المتنافسون بالباء التى تصحب الوسائل إيذانا بتعكيسهم حيت جعلوا ما هو المقصد الأصلى وسيلة والوسيلة مقصدا (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) بالإيمان واتباع الحق والإعراض عن حطام الدنيا ولما كانت الآية السابقة مشتملة على ما هو كالمبادى لما فى الآية الثانية فصلت بالرهبة التى هى من مقدمات التقوى أو لأن الخطاب بها لما عم العالم والمقلد أمر فيها بالرهبة المتناولة للفريقين وأما الخطاب بالثانية فحيث خص بالعلماء أمر فيها بالتقوى الذى هو المنتهى (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ) عطف على ما قبله واللبس الخلط وقد يلزمه الاشتباه بين المختلطين والمعنى لا تخلطوا الحق المنزل بالباطل الذى تخترعونه وتكتبونه حتى يشتبه أحدهما بالآخر أو لا تجعلوا الحق ملتبسا بسبب الباطل الذى تكتبونه فى تضاعيفه أو تذكرونه فى تأويله (وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ) مجزوم داخل تحت حكم النهى كأنهم أمروا بالإيمان وترك الضلال ونهوا عن الإضلال بالتلبيس على من سمع الحق والإخفاء عمن لم يسمعه أو منصوب بإضمار أن على أن الواو للجمع أى لا تجمعوا بين لبس الحق بالباطل وبين كتمانه ويعضده أنه فى مصحف ابن مسعود وتكتمون أى وأنتم تكتمون أى كاتمين وفيه إشعار بأن استقباح اللبس لما يصحبه من كتمان الحق وتكرير الحق إما لأن المراد بالأخير ليس عين الأول بل هو نعت النبى صلىاللهعليهوسلم الذى كتموه وكتبوا مكانه غيره كما سيجىء فى قوله تعالى (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ) وإما لزيادة تقبيح المنهى عنه إذ فى التصريح باسم الحق ما ليس فى ضميره (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أى حال كونكم عالمين بأنكم لا بسون كاتمون أو وأنتم تعلمون أنه حق أو وأنتم من أهل العلم وليس إيراد الحال لتقييد النهى به كما فى قوله تعالى (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) بل لزيادة تقبيح حالهم إذ الجاهل عسى يعذر.