(وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ)(٤١)
____________________________________
بنصب الدلائل وإرسال الرسل وإنزال الكتب ووعد لهم بالثواب على حسناتهم وللوفاء بهما عرض عريض فأول مراتبه منا هو الإتيان بكلمتى الشهادة ومن الله تعالى حقن الدماء والأموال وآخرها منا الاستغراق فى بحر التوحيد بحيث نغفل عن أنفسنا فضلا عن غيرنا ومن الله تعالى الفوز باللقاء الدائم وأما ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أوفوا بعهدى فى اتباع محمد صلىاللهعليهوسلم أوف بعهدكم فى رفع الآصار والأغلال وعن غيره أوفوا بأداء الفرائض وترك الكبائر أوف بالمغفرة والثواب أو أوفوا بالاستقامة على الطريق المستقيم أوف بالكرامة والنعيم المقيم فبالنظر إلى الوسائط وقيل كلاهما مضاف إلى المفعول والمعنى أوفوا بما عاهدتمونى من الإيمان والتزام الطاعة أوف بما عاهدتكم من حسن الإثابة وتفصيل العهدين قوله تعالى (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) إلى قوله (وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ) الخ وقرىء أوف بالتشديد للمبالغة والتأكيد (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) فيما تأتون وما تذرون خصوصا فى نقض العهد وهو آكد فى إفادة التخصيص من إياك نعبد لما فيه مع التقديم من تكرير المفعول والفاء الجزائية الدالة على تضمن الكلام معنى الشرط كأنه قيل إن كنتم راهبين شيئا فارهبونى والرهبة خوف معه تحرز والآية متضمنة للوعد والوعيد ودالة على وجوب الشكر والوفاء بالعهد وأن المؤمن ينبغى أن لا يخاف إلا الله تعالى. (وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ) أفرد الإيمان بالقرآن بالأمر به لما أنه العمدة القصوى فى شأن الوفاء بالعهود (مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) من التوراة والتعبير عنها بذلك للإيذان بعلمهم بتصديقه لها فإن المعية مئنة لتكرر المراجعة إليها والوقوف على ما فى تضاعيفها المؤدى إلى العلم بكونه مصدقا لها ومعنى تصديقه للتوراة أنه نازل حسبما نعت فيها أو من حيث أنه موافق لها فى القصص والمواعيد والدعوة إلى التوحيد والعدل بين الناس والنهى عن المعاصى والفواحش وأما ما يتراءى من مخالفته لها فى بعض جزئيات الأحكام المتفاوتة بسبب تفاوت الأعصار فليست بمخالفة فى الحقيقة بل هى موافقة لها من حيث أن كلا منها حق بالإضافة إلى عصره وزمانه متضمن للحكم التى عليها يدور فلك التشريع وليس فى التوراة دلالة على أبدية أحكامها المنسوخة حتى يخالفها ما ينسخها وإنما تدل على مشروعيتها مطلقا من غير تعرض لبقائها وزوالها بل نقول هى ناطقة بنسخ تلك الأحكام فإن نطقها بصحة القرآن الناسخ لها نطق بنسخها فإذن مناط المخالفة فى الأحكام المنسوخة إنما هو اختلاف العصر حتى لو تأخر نزول المتقدم لنزل على وفق المتأخر ولو تقدم نزول المتأخر لوافق المتقدم قطعا ولذلك قال عليهالسلام لو كان موسى حيا لما وسعه إلا اتباعى وتقييد المنزل بكونه مصدقا لما معهم لتاكيد وجوب الامتثال بالأمر فإن إيمانهم بما معهم مما يقتضى الإيمان بما يصدقه قطعا (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) أى لا تسارعوا إلى الكفر به فإن وظيفتكم أن تكونوا أول من آمن به لما أنكم تعرفون شانه وحقيته بطريق التلقى مما معكم من الكتب الإلهية كما تعرفون أبناءكم وقد كنتم تستفتحون به وتبشرون