(وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً (٤٥) مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (٤٦)
____________________________________
استبدال السلعة بالثمن أى أخذها بدلا منه أخذا ناشأ عن الرغبة فيها والإعراض عنه للإيذان بكمال رغبتهم فى الضلالة التى حقها أن يعرض عنها كل الإعراض وإعراضهم عن الهداية التى يتنافس فيها المتنافسون وفيه من التسجيل على نهاية سخافة عقولهم وغاية ركاكة آرائهم ما لا يخفى حيث صورت حالهم بصورة ما لا يكاد يتعاطاه أحد ممن له أدنى تمييز وليس المراد بالضلالة جنسها الحاصل لهم من قبل حتى يخل بمعنى الاشتراء المنبئ عن تأخرها عنه بل هو فردها الكامل وهو عنادهم وتماديهم فى الكفر بعد ما علموا بشأن النبى صلىاللهعليهوسلم وتيقنوا بحقية دينه وأنه هو النبى العربى المبشر به فى التوراة ولا ريب فى أن هذه الرتبة لم تكن حاصلة لهم قبل ذلك وقد مر فى أوائل سورة البقرة (وَيُرِيدُونَ) عطف على يشترون شريك له فى بيان محل التشنيع والتعجيب وصيغة المضارع فيهما للدلالة على الاستمرار التجددى فإن تجدد حكم اشترائهم المذكور وتكرر العمل بموجبه فى قوة تجدد نفسه وتكرره أى لا يكتفون بضلال أنفسهم بل يريدون بما فعلوا من كتمان نعوته عليهالسلام (أَنْ تَضِلُّوا) أنتم أيضا أيها المؤمنون (السَّبِيلَ) المستقيم الموصل إلى الحق (وَاللهُ أَعْلَمُ) أى منكم (بِأَعْدائِكُمْ) جميعا ومن جملتهم هؤلاء وقد أخبركم بعداوتهم لكم وما يريدون بكم لتكونوا على حذر منهم ومن مخالطتهم أو هو أعلم بحالهم ومآل أمرهم والجملة معترضة لتقرير ارادتهم المذكورة (وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا) فى جميع أموركم ومصالحكم (وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً) فى كل المواطن فثقوا به واكتفوا بولايته ونصرته ولا تتولوا غيره أولا تبالوا بهم وبما يسومونكم من السوء فإنه تعالى يكفيكم مكرهم وشرهم ففيه وعد ووعيد والباء مزيدة فى فاعل كفى لتأكيد الاتصال الإسنادى بالاتصال الإضافى وتكرير الفعل فى الجملتين مع إظهار الجلالة فى مقام الإضمار لا سيما فى الثانى لتقوية استقلالهما المناسب للاعتراض وتأكيد كفايته عزوجل فى كل من الولاية والنصرة والإشعار بعليتهما فإن الألوهية من موجباتهما لا محالة (مِنَ الَّذِينَ هادُوا) قيل هو بيان لأعدائكم وما بينهما اعتراض وفيه أنه لا وجه لتخصيص علمه سبحانه بطائفة من أعدائهم لا سيما فى معرض الاعتراض الذى حقه العموم والإطلاق وانتظام ما هو المقصود فى المقام انتظاما أوليا كما أشير إليه وقيل هو صلة لنصير أى ينصركم من الذين هادوا كما فى قوله تعالى (فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ) وفيه ما فيه من تحجير واسع نصرته عزوجل مع أنه لا داعى إلى وضع الموصول موضع ضمير الأعداء لأن ما فى حيز الصلة ليس بوصف ملائم للنصر وقيل هو خبر مبتدأ محذوف وقع قوله تعالى (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) صفة له أى من الذين هادوا قوم أو فريق يحرفون الخ وفيه أنه يقتضى كون الفريق السابق بمعزل من التحريف الذى هو المصداق لاشترائهم فى الحقيقة فالذى يليق بشأن