(فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (٩٧)
____________________________________
من شعائر ملته عليهالسلام إثر بيان كفرهم بكون كل المطعومات حلاله عليهالسلام روى أنهم قالوا بيت المقدس أعظم من الكعبة لأنه مهاجر الأنبياء وفى الأرض المقدسة وقال المسلمين بل الكعبة أعظم فبلغ ذلك رسول اللهصلىاللهعليهوسلم فنزلت أى إن أول بيت وضع للعبادة وجعل متعبدا لهم والواضع هو الله تعالى ويؤيده القراءة على البناء للفاعل وقوله تعالى (لَلَّذِي بِبَكَّةَ) خبر لأن وإنما أخبر بالمعرفة مع كون اسمها نكرة لتخصصها بسببين الإضافة والوصف بالجملة بعدها أى للبيت الذى ببكة أى فيها وفى ترك الموصوف من التفخيم ما لا يخفى وبكة لغة فى مكة فإن العرب تعاقب بين الباء والميم كما فى قولهم ضربة لازب ولازم والنميط والنبيط فى اسم موضع بالدهناء وقولهم أمر راتب وراتم وسبد رأسه وسمدها وأغبطت الحمى وأغمطت وهى علم للبلد الحرام من بكه إذا زحمه لازدحام الناس فيه وعن قتادة يبك الناس بعضهم بعضا أولأنها تبك أعناق الجبابرة أى تدقها لم يقصدها جبار إلا قصمه الله عزوجل وقيل بكة اسم لبطن مكة وقيل لموضع البيت وقيل للمسجد نفسه ومكة اسم للبلد كله وأيد هذا بأن التباك وهو الازدحام إنما يقع عند الطواف وقيل مكة اسم للمسجد والمطاف وبكة اسم للبلد لقوله تعالى (لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً) روى أنه عليهالسلام سئل عن أول بيت وضع للناس فقال المسجد الحرام ثم بيت المقدس وسئل كم بينهما فقال أربعون سنة وقيل أول من بناه إبراهيم عليه الصلاة والسلام وقيل آدم عليهالسلام وقد استوفينا ما فيه من الأقاويل فى سورة البقرة وقيل أول بيت وضع بالشرف لا بالزمان (مُبارَكاً) كثير الخير والنفع لما يحصل لمن حجه واعتمره واعتكف دونه وطاف حوله من الثواب وتكفير الذنوب وهو حال من المستكن فى الظرف لأن التقدير للذى ببكة هو والعامل فيه ما قدر فى الظرف من فعل الاستقرار (وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) لأنه قبلتهم ومتعبدهم ولأن فيه آيات عجيبة دالة على عظيم قدرته تعالى وبالغ حكمته كما قال (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) واضحات كانحراف الطيور عن موازاة البيت على مدى الأعصار ومخالطة ضوارى السباع الصيود فى الحرم من غير تعرض لها وقهر الله تعالى لكل جبار قصده بسوء كأصحاب الفيل والجملة مفسرة للهدى أو حال أخرى (مَقامُ إِبْراهِيمَ) أى أثر قدميه عليهالسلام السلام فى الصخرة التى كان عليهالسلام يقوم عليها وقت رفع الحجارة لبناء الكعبة عند ارتفاعه أو عند غسل رأسه على ما روى أنه عليهالسلام جاء زائرا من الشام إلى مكة فقالت له امرأة إسمعيل عليهالسلام انزل حتى أغسل رأسك فلم ينزل فجاءته بهذا الحجر فوضعته على شقه الإيمن فوضع قدمه عليه حتى غسلت شق رأسه ثم حولته إلى شقه الأيسر حتى غسلت الشق الآخر فقى أثر قدميه عليه وهو إما مبتدأ حذف خبره أى منها مقام إبراهيم أو بدل من آيات بدل البعض من الكل أو عطف بيان إما وحده باعتبار كونه بمنزلة آيات كثيرة لظهور شأنه وقوة دلالته على قدرة الله تعالى وعلى نبوة إبراهيم عليه