(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١١٦) مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (١١٧)
____________________________________
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أى بما يجب أن يؤمن به. قال ابن عباس رضى الله عنهما هم بنو قريظة والنضير فإن معاندتهم كانت لأجل المال وقيل هم مشركو قريش فإن ابا جهل كان كثير الافتخار بماله وقيل ابو سفيان واصحابه فإنه انفق مالا كثيرا على الكفار يوم بدر واحد وقيل هم الكفار كافة فإنهم فاخروا بالأموال والأولاد حيث قالوا (نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) فرد الله عزوجل عليهم وقال (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ) أى لن تدفع عنهم (أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ) أى من عذابه تعالى (شَيْئاً) أى شيئا يسيرا منه أو شيئا من الإغناء (وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) أى مصاحبوها على الدوام وملازموها (هُمْ فِيها خالِدُونَ) أبدا (مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا) بيان لكيفية عدم إغناء أموالهم التى كانوا يعولون عليها فى جلب المنافع ودفع المضار ويعلقون بها أطماعهم الفارغة وما موصولة اسمية حذف عائدها أى حال ما ينفقه الكفرة قربة أو مفاخرة وسمعة أو المنافقون رياء وخوفا وقصته العجيبة التى تجرى مجرى المثل فى الغرابة (كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ) أى برد شديد فإنه فى الأصل مصدر وإن شاع إطلاقه على الريح الباردة كالصرصر وقيل كلمة فى تجريدية كما فى قوله تعالى (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بالكفر والمعاصى (وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) وإنما وصفوا بذلك لأن الإهلاك عن سخط أشد وأفظع (فَأَهْلَكَتْهُ) عقوبة لهم ولم تدع منه أثرا ولا عثيرا والمراد تشبيه ما أنفقوا فى ضياعه وذهابه بالكلية من غير أن يعود إليهم نفع ما بحرث كفار ضربته صر فاستأصلته ولم يبق لهم فيه منفعة ما بوجه من الوجوه وهو من التشبيه المركب الذى مر تفصيله فى تفسير قوله تعالى (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) ولذلك لم يبال بإيلاء كلمة التشبيه الريح دون الحرث ويجوز أن يراد مثل إهلاك ما ينفقون كمثل إهلاك ريح أو مثل ما ينفقون كمثل مهلك ريح وهو الحرث وقرىء تنفقون (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ) بما بين من ضياع ما أنفقوا من الأموال (وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) لما أنهم أضاعوها بإنفاقها لا على ما ينبغى وتقديم المفعول لرعاية الفواصل لا للتخصيص إذ الكلام فى الفعل باعتبار تعلقه بالفاعل لا بالمفعول أى ما ظلمهم الله ولكن ظلموا أنفسهم وصيغة المضارع للدلالة على التجدد والاستمرار وقد جوز أن يكون المعنى وما ظلم الله تعالى أصحاب الحرث بإهلاكه ولكنهم ظلموا أنفسهم بارتكاب ما استحقوا به العقوبة ويأباه أنه قد مر التعرض له تصريحا وإشعارا وقرىء ولكن بالتشديد على أن أنفسهم اسمها ويظلمون خبرها والعائد محذوف للفاصلة أى ولكن أنفسهم يظلمونها وأما تقدير ضمير الشأن فلا سبيل إليه لاختصاصه بالشعر ضرورة كما فى قوله [ولكن من يبصر جفونك يعشق]