العقيدة الواحدة ثالثة ، فقد نلاحظ أن الأحاديث الواردة في هذه المجالات تؤكد على التواصل حتى في حالات المقاطعة من قبل الآخرين ، وعلى الإحسان حتى في حالات الإساءة ، وعلى العفو والتسامح واللين حتى في مجالات الاعتداء.
وإذا كان هناك من يقول : إن هذه المبادئ تمثل الطابع العام للخلق الإسلامي وليست شيئا خاصا بمثل هذه العلاقات ، فإننا نجيب عن ذلك بالتأكيد على أصل المبدأ ، ولكن مع الملاحظة التالية ، وهي أن إثارة هذه المبادئ في حديث هذه الحالات كان بطريقة أكثر حسما وتأكيدا ، مما يوحي بأن القضية ترقى إلى ما لا ترتقي إليه الأمور الأخرى من الأهمية. فقد جاء في حديث صلة الرحم عن الإمام جعفر الصادق عليهالسلام ـ في ما رواه السكوني ـ قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا تقطع رحمك وإن قطعتك» (١). وجاء في كتاب الكافي ، عن عنبسة العابد قال : «جاء رجل فشكا إلى أبي عبد الله عليهالسلام أقاربه ، فقال له : اكظم غيظك وافعال ، فقال : إنهم يفعلون ويفعلون ، فقال : أتريد أن تكون مثلهم ، فلا ينظر الله إليكم» (٢). وجاء في الحديث عن أبي حمزة الثمالي قال : «قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام في خطبته : أعوذ بالله من الذنوب التي تعجّل الفناء ، فقام إليه عبد الله بن الكوّاء اليشكري فقال : يا أمير المؤمنين أو يكون ذنوب تعجّل الفناء؟ فقال : نعم ويلك ، قطيعة الرحم ، إن أهل البيت ليجتمعون ويتواسون وهم فجرة ، فيرزقهم الله عزوجل ، وإن أهل البيت ليتفرّقون ويقطع بعضهم بعضا ، فيحرمهم الله وهم أتقياء» (٣).
وهكذا نجد أن القضية لا تتحرك من موقع الاختناق في أجواء العصبية
__________________
(١) البحار ، م : ٢٦ ، ج : ٧١ ، باب : ٣ ، ص : ٨٨ ، رواية : ١٠٦.
(٢) الكليني ، دار الكتب الإسلامية ، طهران ، ج : ٢ ، ص : ٣٤٧ ، رواية : ٥.
(٣) البحار ، م : ٢٦ ، ج : ٧١ ، ص : ٨٩ ، باب : ٣ ، رواية : ١٠٧.