لاحظته من وجود بعض الأوضاع العربية التي توحي بمثل هذا الاتجاه ، وذلك في ما نقله عنها عروة بن الزبير قال : سألت عائشة ، أم المؤمنين ، فقلت : يا أم المؤمنين ، أرأيت قول الله : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ)؟ قالت : يا ابن أختي ، هي اليتيمة تكون في حجر وليّها ، فيرغب في جمالها ومالها ، ويريد أن يتزوجها بأدنى من سنّة صداق نسائها ، فنهوا أن ينكحوهن ، إلا أن يقسطوا ، فيكملوا لهنّ الصداق ، ثم أمروا أن ينكحوا ما سواهنّ من النساء إن لم يكملوا لهن الصداق».
٢ ـ «إن أنتم خفتم على أموال أيتامكم أن تنفقوها ، فلا تعدلوا فيها من أجل حاجتكم إليها ، لما يلزمكم من مؤن نسائكم ؛ فلا تجاوزوا في ما تنكحون من عدد النساء على أربع ، وإن خفتم أيضا من الأربع ألّا تعدلوا في أموالهم ، فاقتصروا على الواحدة» (١). وذلك أن الرجل من قريش كان يتزوج العشر من النساء والأكثر والأقل ؛ فإذا صار معدما ، مال على مال يتيمه الذي في حجره ، فأنفقه أو تزوّج به ، فجاءت الآية للتنديد بهذا الواقع ، والنهي عن الإكثار من الزواج في ما فوق الأربع ، من أجل الابتعاد عن الوقوع في هذا المأزق.
٣ ـ «إن القوم كانوا يتحوّبون (٢) في أموال اليتامى ألا يعدلوا فيها ولا يتحوّبون في النساء ألّا يعدلوا فيهن ، فقيل لهم : كما خفتم أن لا تعدلوا في اليتامى ، فكذلك فخافوا في النساء أن لا تعدلوا فيهن ، ولا تنكحوا منهن إلّا من واحدة إلى الأربع ، ولا تزيدوا على ذلك ؛ وإن خفتم ألا تعدلوا أيضا في الزيادة على الواحدة ، فلا تنكحوا إلا ما لا تخافون أن تجوروا فيهن من واحدة أو ما ملكت أيمانكم» (٣).
__________________
(١) (م. س) ، م : ٣ ، ج : ٤ ، ص : ٣٠٩.
(٢) يتحوّبون : يخافون الإثم.
(٣) تفسير البيان. م : ٣ ، ج : ٤ ، ص : ٣٠٩ ـ ٣١٠.