إلى نبات حيّ ، فغذاء يتفاعل مع أجهزة الجسم ، ثم تحول إلى دم (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ) وهي القطعة من اللحم في الطور القابل للمضغ بحسب حجمه ، (مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) أي : تامة الخلق من حيث اكتمال الصورة في الجنين ونفخ الروح فيه ، أو غير تامة من حيث عدم اكتمال الحياة فيه ، (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) أن البعث ليس أمرا بعيدا عن الوقوع ، ففي حياة كل واحد منكم حالة بعث من التراب إلى الحياة ، ولكن الفرق أن البعث فيكم يتحرك بطريقة تدريجية ، بينما البعث في الآخرة يأتي بشكل كامل ودون مقدّمات.
(وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) فتنمو المضغة حتى تتحول إلى كائن حيّ ينمو بواسطة ما نرزقه إياه في الرحم من غذاء يتكامل نموّه (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) أي نخرجكم من بطون أمهاتكم وأنتم أطفال ، وقد ذكرت بصيغة المفرد لأنه مصدر كما قيل ، (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) وهو السنّ الذي تشتد فيها الأعضاء وتتكامل فيها القوّة (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى) وهو في سنّ الشباب ، أو في سن الكهولة التي لا يفقد فيها الإنسان وعيه وقوّته ، (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) وهو أحقره وأهونه ، وهو سنّ الهرم التي يفقد فيها الإنسان قواه ، وربما يفقد وعيه وذاكرته ، (لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) فلا يبقى له من العلم ما يستطيع به إدارة حياته أو تدبير أمره.
(وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً) وهذه صورة أخرى من صور الحياة التي تنطلق من صلب الموت ، حيث يتحوّل التراب الميت إلى قوّة خضراء تزهو بالحياة ، وهي صورة الأرض اليابسة الخالية خلوّا تاما من علائم الحياة والنموّ ، والتي يمر عليها الإنسان عادة دون وجود شيء يستدعي انتباهه فيها ، (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ) الذي ينفذ إلى أعماقها ويسقي البذور المنثورة فيها (اهْتَزَّتْ) وتحرّكت بالنبات الذي يبدأ عملية النمو (وَرَبَتْ) وأخذت تعلو ويزيد ارتفاعها (وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) من أنواع النبات التي تزهو في نضارتها