جزاء الصدّ عن البيت الحرام
انطلقت دعوة الله في مكة ؛ البلد الذي جعله حرما آمنا يأوي إليه الناس من كل مكان ليعبدوه في المسجد الحرام ، حيث يصلّون ويطوفون بالبيت الحرام. ولكن أهل مكة ، الذين كانوا يتخذون الشرك قاعدة لتفكيرهم ولعبادتهم ونهجا في حياتهم ، واجهوا هذه الدعوة الجديدة بكل أساليب التعسف والتمرّد والضغط والنكران. وجاءت هذه الآية لتحدّد لنا طبيعة هذه المواجهة ، وما أعدّه الله لهم في الدار الآخرة.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) من خلال اتّباعهم الشرك ، وإصرارهم عليه ، ورفضهم لكل البيّنات التي قدّمها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إليهم في كتاب الله وفي حديثه ، واستمرارهم على عبادة الأصنام .. (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) فلم يكتفوا بالكفر الإشراكيّ في تفكيرهم وسلوكهم ، بل عملوا على الوقوف ضد كل من يريدون الدخول في الإسلام ويتحركون في سبيل الوصول إلى الحق ، الذي يبلغ بهم رضوان الله ورحمته ، فكانوا يلاحقون المؤمنين ليعذبوهم ، وليشرّدوهم ، ويمنعون الذين يحبون الإيمان أن يدخلوا فيه بالضغوط الصعبة القاسية التي يوجهونها إليهم (وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ) لا فرق فيه بين فرد وآخر أو بين جماعة وأخرى ممن يؤمن بالله ويريد أن يعبده فيه ، أو ممن يريد أن يدخله ليؤمن بالإسلام ، فهو بيت الله الذي أراده للناس كافة ، (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) ، فالمقيم فيه والآتي من الخارج إليه سيّان ، لا يملك من يقيم في مكة منع القادم إليها من دخول المسجد ، لأن خالق الأرض ومالكها هو من يملك إعطاء الإذن بالمنع والدخول من موقع خلقه له ، (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ) ويميل عن الخط المستقيم ، وذلك بالقيام بأيّ عمل يعيق وصول الناس إليه ، ويضرّ بحياتهم في داخله ، عبر استخدام ما يملكه من قوّة تمكّنه