من مواجهة حالات الضعف التي تحيط بالآخرين من المقيمين به أو الداخلين إليه ، (بِظُلْمٍ) أي بدون حق ، فإن ذلك ليس من حقه مهما قدم لتصرفه من مبررات وأعذار ، لأن للناس حرية الدخول إلى الكعبة التي تمثل بيت الله ، فيحجون إليها ، ويعبدونه فيها ، ولم يجعل لأحد سلطة منع الناس من ذلك ، إلا في نطاق حمايتهم من الخطر وحمايتها من الضغط القاسي ، فمن أراد ذلك بدون حق (نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) جزاء له على تمرده وعصيانه وظلمه ، تماما كالكافرين والصادّين عن سبيل الله.
* * *
الآية واختلاف المفسرين في بعض مفرداتها
وربما استوحينا من ذلك أن الله أعطى الناس المؤمنين حرية الدخول إلى المسجد الحرام وممارسة العبادة الصحيحة فيه ، دون أن يكون لأي أحد سلطة منعهم من هذا الحق ، إلا في نطاق النظام العام. وهذا يجعلنا نرفض ما استحدثه حكام تلك البلاد من قوانين تمنع الدخول إليها لأداء فريضة الحج والعمرة إلا بإذن منهم ، وحسب شروطهم ، مما يتنافى وأجواء هذه الآية.
وقد نستوحي من قوله تعالى : (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) أن للناس ـ جميعا ـ الحقّ في مكة ، فلا يملك أحد أن يمنع الناس من الإقامة فيها ، أو يمنح نفسه حق تملّك موقع فيها أو دائرة معيّنة ، لأن الله قد ساوى بين المقيم فيها والخارج منها ، لأن الظاهر ـ كما يقال ـ أن المراد من المسجد الحرام ، هو مكة كلها ، كما يظهر ذلك من قوله تعالى في سورة الإسراء (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ ، لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) [الإسراء : ١] حيث ذكرت أن النبي قد أسري به من المسجد الحرام في الوقت الذي كان