بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله الذي أحكم ما خلق وقدّر ، وعدل فيما قسم ودبر ، وأنذر بما أنشأ وأظهر ، واستأثر بما أخفى وأسر ، وأنعم بما أمر وحظر ، وأرشد إلى إنذاره بنوعي تفضيل تميز بهما جنس البشر عن كل حيوان بهيم ، وهما نطق يفضي إلى الفهم ، وعقل يؤدي إلى العلم ، ليعان بهما على ما كلف من أوان التعبد فيصل بالعقل إلى علمه واستعلامه ، وبالنطق إلى فهمه واستفهامه ، فيصير مهيأ لقبول ما كلف من التعارف ومعانا على ما تعبد به من الشرائع نعمة بها قطع الأعذار ، وعمّ بها المصالح ليكون الخلق على رغب يدعوهم إلى الطاعة ورهب يكفهم عن المعصية فيعم الخير بالرغبة ، وينحسم الشر بالرهبة ، وهذا لا يستقر في النفوس إلّا برسل مبلغين عن الله ثوابه فيما أمر ، وعقابه فيما حظر ، فوجب أن يوضح في إثبات النبوّات ما ينتفي عنه ارتياب مغرور وشبهة معاند ، وقد جعلت كتابي هذا مقصورا على ما أفضى ودل عليه ليكون عن الحق موضحا وللسرائر مصلحا وعلى صحة النبوّة دليلا ولشبه المستريب مزيلا وجعلت ما تضمنه مشتملا على أمرين :
أحدهما : ما اختص بإثبات النبوّة من أعلامها.
والثاني : فيما يختلف من أقسامها وأحكامها ليكون الجمع بينهما أنفى