وأقيال حمير باليمن وصارت رحلته إليها ، وحفر عبد المطلب حين قوي واشتد بئر زمزم وأخرج منها ما كان ألقاه فيها عامر بن الحرث الجرهمي ومن غزالي الكعبة وحجر الركن فضرب الغزالين صفائح ذهب على باب الكعبة ووضع الحجر في الركن ، وصار عبد المطلب سيدا عظيم القدر مطاع الأمر نجيب النسل حتى مرّ به أعرابي وهو جالس في الحجر وحوله بنوه كالأسد ، فقال : إذا أحب الله إنشاء دولة خلق لها أمثال هؤلاء ، فأنشأ الله لهم بالنبوة دولة وخلد بها ذكرهم ورفع بها قدرهم حتى سادوا الأنام وصاروا الأعلام وصار كل من قرب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم من آبائه أعظم رئاسة وتنوها وأكثر فضلا وتالها.
فحكى الزهري ويزيد بن رومان وصالح بن كيسان أن عبد الطلب بن هاشم نذر أنه متى رزق عشرة أولاد ذكور ورآهم بين يديه رجالا أن ينحر أحدهم للكعبة شكرا لربه حين علم أن إبراهيم أمر بذبح ولده تصوّرا من أنه أفضل قربة فلما استكمل ولده العدد وصاروا له من أظهر العدد قال لهم : يا بني كنت نذرت نذرا علمتموه قبل اليوم فما تقولون؟ قالوا : الأمر لك وإليك ونحن بين يديك ، فقال : لينطلق كل واحد منكم إلى قدحه وليكتب عليه اسمه ، ففعلوا ثم أتوه بالقداح فأخذها وجعل يرتجز ويقول :
عاهدته وأنا موف عهده |
|
والله لا يحمد شيء حمده |
إذا كان مولاي وكنت عبده |
|
نذرت نذرا لا أحب رده |
ولا أحب ان اعيش بعده
ثم دعا بالأمين الذي يضرب بالقداح فدفع إليه قداحهم وقال : حرك ولا تعجل ، وكان أحب ولد عبد المطلب إليه عبد الله ، فضرب صاحب القداح السهم على عبد الله ، فأخذ عبد المطلب الشفرة وأتى بعبد الله وأضجعه بين إساف ونائلة وأنشأ مرتجزا يقول :
عاهدته وأنا موف نذره |
|
والله لا يقدر شيء قدره |
هذا بني قد أريد نحره |
|
وإن يؤخره يقبل عذره |
وهمّ بذبحه فوثب إليه ابنه أبو طالب وكان أخا عبد الله لأبيه وأمه وأمسك يد عبد المطلب عن أخيه ، وأنشأ مرتجزا يقول :