أليس أن الوجود فى الشاهد والغائب له حقيقتة واحدة ، ومعقول واحد ، مع أن الوجود فى الشاهد متجدد ، وفى الغائب دائم؟ فلم لا يجوز أن يكون الأمر كذلك فى المعلوم؟
وأما الشبهة الثانية ـ وهى قولهم : اما أن يعلم المعلومات التى لا نهاية لها بعلم واحد ، أو بعلوم متناهية ، أو بعلوم غير متناهية ـ فنقول : هذه الشبهة بتمامها واردة عليكم فى العالمية. وكل ما تقولونه فى العالمية ، نقوله فى العلم.
ثم نقول : لم لا يجوز أن يعلم جميع المعلومات بعلم واحد؟ وما ذكرتموه من الوجوه فى بيان أنه لا يجوز أن يعلم بالعلم الواحد الا معلوما واحد : فهو معارض بدليل آخر. وهو أن العلم المتعلق بكون السواد ضد البياض مثلا ، لا بد أن يكون ذلك العلم بعينه متعلقا بالبياض والسواد ، لأنه اذا لم يكن ذلك العلم المتعلق متعلقا بالسواد والبياض ، فحينئذ لا يكون متعلقا بالمضادة بين السواد والبياض. بل أقصى ما فى الباب : أنه يكون متعلقا بالمضادة. ونحن لا نلزم الكلام فى العلم المتعلق بالمضادة. وانما نلزم الكلام فى العلم المتعلق بمضادة السواد والبياض.
لا يقال : هب أنه حصل من هذا الدليل ، أن كل معلومين يجوز (٩) أن يعلم أحدهما مع الذهول عن الآخر ، فانه يجوز أن يعلما بعلم واحد. لأنا نقول : لما ثبت أن العلم المتعلق بمضادة السواد والبياض ، متعلق بالسواد والبياض معا. فلا شك أن السواد يجوز أن يعلم حال الذهول عن البياض ، فلما صار السواد والبياض معلومين بهذا العلم الواحد ، حصل أن المعلومين اللذين يجوز أن يعلم أحدهما مع الذهول عن الآخر ، فانه لا يمتنع أن يعلما بعلم واحد. فثبت بهذا الدليل : أنه لا يمتنع تعلق العلم الواحد بالمعلومات الكثيرة.
__________________
(٩) يمتنع : ب