ولو اراد أن يدفع ذلك الخيال ، عجز عنه. وهذا يدل على أن الحس قد يتأثر عن المحسوس.
الثانى : ان من نظر الى روضة خضراء نظرا بالاستقصاء الشديد زمانا له قدر ، ثم حول حدقته الى شيء آخر أبيض اللون ، فانه لا يراه أبيض اللون ، بل يرى لونه ممزوجا من البياض والخضرة. وما ذلك الا لأن أثر الخضرة بقى فى حدقته. فلما حول الحدقة الى الشيء الأبيض ، امتزجت الخضرة الباقية فى حدقته بذلك البياض ، فأحس بذلك اللون على وصف الامتزاج.
الثالث : ان من نظر الى المضىء القوى ارتدت حدقته (١) الباصرة مقهورة. وهذا يدل على أن الحس يقبل الأثر من المحسوس.
اذا ثبت هذا فنقول : لم لا يجوز أن يكون التفاوت الحاصل بين ما اذا نظرنا الى الشيء ، وبين ما اذا غمضنا العين ، هو كون الحس متأثرا عن المحسوس. وعلى هذا التقدير وجب أن يمتنع الابصار (٢) على الله تعالى ، لأن الابصار لما كان عبارة عن هذا التأثر (٣) وهذا التأثر من صفات الأجسام. والله تعالى ليس بجسم ، وجب أن يكون الابصار ممتنعا على الله تعالى.
أجاب المتكلمون عنه : بأن الابصار ليس معناه هذا التأثر فقط. وذلك لأنا اذا فتحنا العين رأينا نصف كرة العالم دفعة واحدة. وحصول هذه الصورة العظيمة فى الجسم الصغير محال. ومن المعلوم أن موضع التأثر ليس الا نقطة الناظر ، فعلمنا : أن الابصار حالة مغايرة للعلم ، ومغايرة أيضا لتأثير الحس.
__________________
(١) صارت حدقته : ا
(٢) من الله : ا
(٣) التأثير : ا