قم ، ويا عمرو اجلس ، من غير أن يكون هناك أحد ، قضى كل عاقل بكونه مجنونا. وما كان كذلك كيف يعقل اثباته فى حق الله تعالى؟
وكيف يحسن فى العقل أن يقول : (يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) [طه ١٢] مع أنه لم يكن هناك موسى ، ولا أحد. وأيضا : لو كان تعالى مخبرا فى الأزل عن كيفيات الأشياء ، لكان ذلك الخبر اما أن يكون المقصود منه اخبار نفسه ـ وهو عبث ـ أو أخبار غيره ، أو لا يكون المقصود منه اخبار نفسه ولا اخبار غيره. أما اخبار نفسه فهو عبث. وأما اخبار غيره مع أنه ليس هناك غيره فهو جنون. وأما أن لا يكون المقصود منه ، لا هذا ولا ذلك ، فهو محض العبث والسفه.
لا يقال : لم لا يجوز أن يقال : ان ذلك الأمر الأزلى كان أمرا فى الأزل للأشخاص الذين سيوجدون فى لا يزال ، كما أنه تعالى كان قادرا فى الأزل على أن يوجد الخلق فى لا يزال؟
وأيضا : أليس أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يأمر وينهى حال حياته كل من سيوجد بعده الى قيام القيامة؟ فثبت : أن تقدم الأمر على المأمور ، غير ممتنع.
لأنا نقول : الأمر عبارة عن الطلب. وتحقق وجود الطلب مع أنه ليس هناك من يطلب منه شيء : محال فى العقول. بل العزم على الطلب قد يتقدم على الطلب. مثل أن الواحد منا اذا علم أنه سيوجد له ولد ، فانه فى الحال يعزم على أنه اذا وجد له ذلك الولد ، فبعد وجوده ويطلب منه تحصيل العلم والأدب. فأما أن يقال : انه قبل وجود الولد ، يطلب منه تحصيل العلم والأدب ، فهذا البتة غير معقول.
وأما أن قوله بأن النبي عليهالسلام كان يأمر حال حياته وينهى كل من يوجد بعده الى قيام القيامة.