فنقول : هذه مغالطة. وذلك لأن النبي صلىاللهعليهوسلم [ما كان له أمر ونهى على الخلق ، بل هو عليهالسلام] كان يخبرنا : (٧) أن أولئك الذين سيوجدون بعدى يحدث الله عليهم حال وجودهم وكمال عقلهم ، أنواعا من الأمر والنهى. وذلك الاخبار انما حسن من الرسول عليهالسلام لأنه حضر هناك من يسمع ذلك الخبر ، ويبلغه الى الذين سيوجدون بعد ذلك. أما فى الأزل فليس هناك أحد البتة يسمع ذلك الخبر ، ويبلغه الى الذين سيوجدون بعد ذلك. فظهر أن هذا المثال مغالطه محضة.
الشبهة الثانية : أنه سبحانه وتعالى أخبر بلفظ الماضى فى مواضع كثيرة من القرآن. كقوله : (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً) [نوح ١] و (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر ١] و (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا. سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ ، أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ. لا يُؤْمِنُونَ) [البقرة ٦] فلو كان هذا الاخبار قديما أزليا ، لكان قد أخبر فى الأزل عن شيء مضى قبله. وهذا يقتضي أن يكون الأزل مسبوقا بغيره ، وأن يكون كلام الله تعالى كذبا ، ولما كان كل واحد منهما محالا ، علمنا : أن هذا الاخبار يمتنع كونه أزليا.
الشبهة الثالثة : ان كلام الله تعالى لو كان قديما أزليا ، لكان باقيا أبديا. لأن ما ثبت قدمه يمتنع عدمه ، فيكون قوله تعالى ل «زيد» : «صل» باقيا ، بعد أن صلى زيد صلاة الصبح ، وبعد أن مات ، وبعد أن قامت القيامة. وهكذا يكون باقيا أبدا الآباد ودهر الداهرين ، ومعلوم أن ذلك على خلاف المعقول ، فانه تعالى اذا أمر عبده بفعل من الأفعال فاذا أتى ذلك العبد بذلك الفعل ، لم يبق ذلك الأمر متوجها عليه. واذا ثبت أن ذلك الأمر قد زال ، ثبت أنه كان محدثا لا قديما.
__________________
(٧) كان يخبرنا : ا