الشبهة الرابعة : أجمعت الأمة على أن النسخ حق ، والنسخ عبارة اما عن ارتفاع الحكم بعد ثبوته ، واما عند انتهائه. وأيا ما كان ، فهو يقتضي زوال ذلك الأمر وذلك الخطاب بعد ثبوته. وكل ما زال بعد ثبوته ، لم يكن قديما. لأن ما ثبت قدمه ، استحال عدمه.
الشبهة الخامسة : لو كان كلام الله قديما أزليا ، لكان تعلقه بمتعلقاته ثابتا له لذاته. ولو كان كذلك لكان عام التعلق بكل ما يصح تعلقه به ، ولما كان من مذهبكم أن الحسن والقبح لا يثبتان الا بالشرع ، فاذن كل ما كان مأمورا لا يمتنع أن يكون منهيا. وكل ما كان منهيا ، لا يمتنع أن يكون مأمورا. فيلزم تعلق أمر الله تعالى بجميع الأشياء ، وتعلق نهيه بجميعها. ويلزم أن تكون جميع الأشياء مأمورة منهية حسنة قبيحة. وكل ذلك محال. فثبت : أن كلام الله يمتنع أن يكون أزليا.
* * *
والجواب : أما جميع الشبه السمعية فالجواب عنها :
شيء واحد. وهو أن تصرف كل تلك الوجوه الى هذه الحروف والأصوات. فانا معترفون بأنها محدثة. وعندهم القرآن ليس الا ما تركب عن هذه الحروف والأصوات ، فكانت الدلائل التى ذكروها دالة على حدوث هذه الحروف والأصوات. ونحن لا ننازع فى ذلك. وانما ندعى قدم القرآن ، بمعنى آخر (٨). فكانت كل هذه الشبهة ساقطة عن محل النزاع.
وأما الجواب عن الشبه العقلية :
فالجواب عن الشبهة الأولى : هو أنها معارضة بالقدرة. فانها صفة تقتضى صحة الفعل ، ثم انها كانت ثابتة فى الأزل مع أن الفعل
__________________
(٨) ما هو المعنى الآخر؟