ومعلوم : أن رؤية هؤلاء واحدة. لأنهم يرون الشيء على ما هو عليه. ومن الممتنع وقوع التفاوت فى نفس الرؤية ، بل المراد من قوله : نظر الى نظر غضبان : وصف عينه بما تكون عليه عين الغضبان من الانحراف والازورار ، ولا يعارض هذا بقولهم : فلان يرانى بعين الرضا وبعين الغضب وبعين الذل ، لأن فى هذا الكلام ما أدخلوا التقسيم على الرؤية ، بل أضافوا الرؤية تارة الى عين الرضا وتارة الى عين الغضب.
الحجة الحادية عشرة : انهم يصفون النظر بما لا يمكن أن توصف به الرؤية. وذلك يوجب التباين بينهما. فانه يوصف النظر بكونه شزرا.
قال الشاعر :
ولا خير بالبغضاء والنظر الشرز.
ومعلوم : أن الشزر كيفية فى موضع العين وتحريكها.
ومنها : أنهم يصفون النظر بالشدة والصلابة. أنشد ابن قتيبة :
يتقارضون اذا التقوا فى موطن |
|
نظرا يزيل مواطن الاقدام |
قال ابن قتيبة : يكاد يزيلها من شدته وصلابته. والمراد من تلك الشدة : الاعتماد على الحدقة فى تقليبها وتحريكها.
الحجة الثانية عشر : ان الّذي يقدر عليه الانسان فى باب الرؤية ، انما هو تقليب الحدقة الى جهة المرئى. فأما حصول الرؤية فليس ذلك فى قدرة الانسان. اذا ثبت هذا فنقول : لو حملنا لفظ النظر على تقليب الحدقة ، كان قولنا فى الأمر والنهى : انظر ، ولا تنظر. محمولا على الحقيقة. أما لو حملنا النظر على الرؤية ، لوجب حمل قولنا أانظر ولا تنظر ، على مقدمات الرؤية ، لا على نفس الرؤية. فيصير هذا اللفظ مجازا. ومعلوم : أن حمل للكلام على معنى يبقى اللفظ