رؤيته ادراكا البتة. فلم يلزم من نفى الادراك نفى الرؤية. فالحاصل : أن الادراك رؤية مكفية (١٣) ولا يلزم من نفى الرؤية المكفية ، نفى أصل الرؤية. وكما أنا نعرف الله ولا نحيط به. فكذلك نراه ولا ندركه.
الوجه الثانى فى الجواب : هب أن ادراك العين عبارة عن الرؤية ، الا أن قوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) نقيض لقولنا : تدركه الأبصار. وقولنا : تدركه الأبصار ، يقتضي أن يدركه كل أحد. لأن الألف واللام اذا دخلا على اسم الجمع ، يفيدان الاستغراق. ونقيض الموجبة الكلية : السالبة الجزئية. فكان قوله (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) معناه : أنه لا تدركه جميع الأبصار ، ونحن نقول بموجبه. فانه لا يراه جميع المبصرين. فان الكافرين لا يرونه بل يراه بعض الأبصار.
الوجه الثالث فى الجواب : انا نقول بموجب الآية : أنه لا تدركه الأبصار. فلم قلتم بأنه لا يدركه المبصرون؟ فان قالوا : المراد من الابصار فى الآية : المبصرون ، والا خرجت الآية عن أن تكون مفيدة. فنقول : اذا حملنا الأبصار على المبصرين ، وجب أن يكون معنى قوله تعالى : (وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) : أنه يدرك جميع المبصرين. ولا نزاع فى أنه تعالى مبصر ، فيلزم بحكم هذه الآية : أن يبصر نفسه. وأنتم لا تقولون به.
الوجه الرابع فى الجواب : هب أن ظاهره يدل على نفى الرؤية عن جميع المبصرين. الا أنه عام. وقوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ ، إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) [القيامة ٢٢ ـ ٢٣] خاص. والخاص مقدم على العام.
__________________
(١٣) التعبير بأصحاب موسى هو غير التعبير ببنى اسرائيل وهذا يدل على أنه كان معه من غير بنى اسرائيل. وهذا قد صرحت به التوراة ومستفاد أيضا من قوله تعالى : (فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ) أى من قوم فرعون ، لأن بنى اسرائيل كانوا مؤمنين بموسى عليهالسلام.