وأما الوجه الثانى فى تمسكهم بالآية : فنقول : ذلك انما يلزم لو حملنا الادراك على الاحاطة. قلنا : هب أن الادراك محال على الله تعالى ، فلم قلتم : بأن الرؤية ممتنعة؟ وأيضا : نقول هذا الاستدلال معارض بأن رؤية الله تعالى لو كانت ممتنعة ، لما حصل المدح بأنه لا يرى. ألا ترى أن المعدومات تمتنع رؤيتها ، وليس لها مدح ، بل المدح انما يحصل لو كانت رؤيته جائزة. ثم انه سبحانه وتعالى يقدر على منع الأبصار عن ذلك.
اذا ثبت هذا فنقول : هذه الآية تدل على أن رؤية الله تعالى جائزة من هذا الوجه. واذا ثبت الجواز ، وجب القول بالوقوع فى القيامة. ضرورة أنه لا قائل بالفرق. وأيضا : فقولهم : ان كل ما كان عدمه مدحا ، كان وجوده ممتنعا : منقوض بأنه تعالى يمدح بنفى الظلم والعبث عن نفسه. حيث قال : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت ٤٦](وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً) [ص ٢٧] مع ان مذهب المعتزلة أنه تعالى قادر على فعل الظلم والعبث.
واما الجواب عن الشبهة الثانية ـ وهى التمسك بقوله تعالى : (لَنْ تَرانِي) ـ فنقول : كلمة (لَنْ) لا تدل على التأبيد ، بدليل قوله تعالى : (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً) [البقرة ٩٦] مع أنهم يتمنونه فى الآخرة.
والجواب عن الشبهة الثالثة ـ وهى التمسك بقوله تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ ، إِلَّا وَحْياً) فنقول : الوحى هو أن يسمع ذلك الكلام بسرعة ، وليس فيه أن يكون محجوبا عن رؤية الله تعالى أم لا؟
وأما الجواب عن الشبهة الرابعة : أن نقول لم لا يجوز أن يكون ذلك الاستعظام لأجل أنهم طلبوا الرؤية على سبيل التعنت والعناد.