لنفرض أن هذا التفاوت واقع بمقدار شبر ، فلو كان المانع من الرؤية هذا القدر من التفاوت فى البعد ، لكنا اذا جعلنا المرئى أبعد مما كان قبل ذلك بمقدار شبر ، وجب أن لا نراه البتة. لكنا نراه. فعلمنا : أنه ليس السبب فى عدم رؤية بعض الأجزاء : ذلك القدر من التفاوت فى البعد.
الحجة الثانية : اذا نظرنا الى مجموع كف من التراب ، رأيناه وذلك الكيف من التراب عبارة عن مجموع تلك الذوات وتلك الأجزاء الصغيرة. فاما أن يكون ادراك كل واحد من تلك الذوات مشروطا. بإدراك الآخر ، فيلزم الدور. واما أن لا يكون ادراك شيء منها مشروطا بادراك الآخر ، وحينئذ يكون ادراك كل واحد من تلك الذوات حالتى الانفراد والاجتماع على السوية (١) مع أنا نراها حال الاجتماع ولا نراها حال الانفراد. وحينئذ لا يكون الادراك واجب الحصول عند حصول تلك الشرائط. واما أن يكون ادراك البعض مشروطا بادراك الباقى. ولا ينعكس. وهذا محال. ومع أنه محال فالمقصود حاصل.
أما أنه محال ، فلأن الأجزاء متساوية فيكون هذا مفتقرا الى ذاك ، مع أن ذاك غنى عن هذا. وهذا ترجيح من غير مرجح. وهو محال. وأما ان المقصود حاصل ، فلأن ادراك أحد تلك الأجزاء اذا كان غنيا عن ادراك الآخر ، كان حالة عند الاجتماع وعند الانفراد فى صحة الادراك على السوية. وحينئذ يعود المحذور.
فهذان برهانان قويان فى بيان أن عند حصول هذه الشرائط : يكون الادراك غير واجب الحصول.
وقولهم : لو لم يجب الادراك ، لجاز أن يكون بحضرتنا جبال وبوقات ، ونحن لا نراها ولا نسمعها.
__________________
(١) من هنا ساقط من ا الى : على وفق ماهية المكشوف