قلنا : هذا معارض بجملة العاديات. سلمنا : أن عند حضور هذه الشرائط فى الشاهد ، يكون الادراك واجب الحصول ، فلم قلتم : ان فى حق الله تعالى يجب أن يكون كذلك؟ وتحقيقه : هو أن ذات الله تعالى مخالفة بالحقيقة والماهية لهذه الحوادث. والمختلفان فى الماهية لا يجب استواؤهما فى اللوازم. فلم يلزم من كون الادراك واجبا فى الشاهد عند حضور هذه الشرائط ، كونه واجبا فى الغائب عند حضورها؟ ومما يدل عليه : أن الادراك فى الشاهد مشروط بشرائط ثمانية ، وفى الغائب نقطع بأنه لا يمكن اعتباره. فكذلك لا يمتنع أن يكون الادراك فى الشاهد واجب الحصول ، وفى الغائب لا يكون واجبا. وهذا سؤال متعين لم يتنبه له أحد من المعتزلة ، ولا نبه أحد من أصحابنا عليه.
وأما الشبهة الثانية : فالجواب عنها من وجهين :
الأول : انا بينا فى المقدمة : أن ذكر الدلائل لا بد أن يكون مسبوقا بتعيين محل النزاع. فنقول : محل النزاع : ان الموجود المنزه عن المكان والجهة. هل تجوز رؤيته أم لا؟ فان ادعيتم أن العلم بامتناع رؤيته ضرورى ، فذلك باطل ـ على ما بيناه فى المقدمة ـ وان ادعيتم أن هذا العلم استدلالى. فلا بد فيه من الدليل. وقولكم «ان كل مرئى ، لا بد وأن يكون مقابلا» : يقرب من أنه اعادة للدعوى. لأن المقابل هو الّذي يكون مختصا بجهة قدام الرائى فكأنكم قلتم : الدليل على أن ما لا يكون فى الجهة لا يكون مرئيا : هو أن كل ما كان مرئيا فى جهة. والمنطقيون يسمون هذه القضية الثانية : عكس نقيض القضية الأولى. وفى الحقيقة لا فرق بين القضيتين فى الظهور والخفاء. فلم يجز جعل أحدهما حجة فى صحة الأخرى ، بل يقرب هذا من أن يكون اعادة للمطلوب بعبارة أخرى.
والوجه الثانى فى الجواب : ثبت أن المقابلة شرط للرؤية فى الشاهد. فلم قلتم : انه فى الغائب كذلك؟ وتقريره : ما ذكرناه فى