قوله تعالى : (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ) يعنى : بيت المقدس (كَما دَخَلُوهُ) في المرّة الأولى (وَلِيُتَبِّرُوا) أي : ليدمروا ويخربوا. قال الزّجاج : يقال لكلّ شيء ينكسر من الزّجاج والحديد والذّهب : تبر. ومعنى (ما عَلَوْا) أي : ليدمروا في حال علوّهم عليكم.
قوله تعالى : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ) هذا ممّا وعدوا به في التّوراة ، و «عسى» من الله واجبة ، فرحمهمالله بعد انتقامه منهم ، وعمر بلادهم ، وأعاد نعمهم بعد سبعين سنة. (وَإِنْ عُدْتُمْ) إلى معصيتنا (عُدْنا) إلى عقوبتكم. قال المفسّرون : ثم إنهم عادوا إلى المعصية ، فبعث الله عليهم ملوكا من ملوك فارس والرّوم. قال قتادة : ثم كان آخر ذلك أن بعث الله عليهم محمّدا صلىاللهعليهوسلم ، فهم في عذاب إلى يوم القيامة ، فيعطون الجزية عن يد وهم صاغرون.
قوله تعالى : (وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً) فيه قولان : أحدهما : سجنا ، قاله ابن عباس ، والضّحّاك ، وقتادة. وقال مجاهد : يحصرون فيها. وقال أبو عبيدة ، وابن قتيبة : محبسا ، وقال الزّجّاج : «حصيرا» : حبسا ، أخذ من قولك : حصرت الرجل ، إذا حبسته ، فهو محصور ، وهذا حصيره ، أي : محبسه ، والحصير : المنسوج. سمّي حصيرا ، لأنه حصرت طاقاته بعضها مع بعض ، ويقال للجنب : حصير ، لأن بعض الأضلاع محصور مع بعض. وقال ابن الأنباري : حصيرا : بمعنى : حاصرة ، فصرف من حاصرة إلى حصير ، كما صرف «مؤلم» إلى أليم. والثاني : فراشا ومهادا ، قاله الحسن. قال أبو عبيدة : ويجوز أن تكون جهنّم لهم مهادا بمنزلة الحصير ، والحصير : البساط الصغير.
(إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (٩) وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٠))
قوله تعالى : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) قال ابن الأنباري : «التي» وصف للجمع ، والمعنى : يهدي إلى الخصال التي هي أقوم الخصال. قال المفسّرون : وهي توحيد الله والإيمان به وبرسله والعمل بطاعته ، (وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ) أي : بأنّ لهم (أَجْراً) وهو الجنّة ، (وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) أي : ويبشّرهم بالعذاب ، لأعدائهم ، وذلك أنّ المؤمنين كانوا في أذى من المشركين ، فعجّل الله لهم البشرى في الدنيا بعقاب الكافرين.
(وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً (١١))
قوله تعالى : (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ) وذلك أنّ الإنسان يدعو في حال الضّجر والغضب على نفسه وأهله بما لا يحبّ أن يستجاب له كما يدعو لنفسه بالخير. (وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً) يعجّل بالدّعاء بالشرّ عند الغضب والضّجر عجلته بالدّعاء بالخير.
وفي المراد بالإنسان هاهنا ثلاثة أقوال : أحدها : أنه اسم جنس يراد به الناس ، قاله الزّجّاج وغيره. والثاني : آدم ، فاكتفى بذكره من ذكر ولده ، ذكره ابن الأنباري. والثالث : أنه النّضر بن الحارث حين قال : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) (١) ، قاله مقاتل. وقال سلمان الفارسي : أول ما خلق
__________________
(١) سورة الأنفال : ٣٢.