الله من آدم رأسه ، فجعل ينظر إلى جسده كيف يخلق ، قال : فبقيت رجلاه ، فقال : يا ربّ عجل ، فذلك قوله : (وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً) (١).
(وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً (١٢))
قوله تعالى : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) أي : علامتين يدلّان على قدرة خالقهما. (فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ) فيه قولان : أحدهما : أنّ آية الليل : القمر ، ومحوها : ما في بعض القمر من الاسوداد. وإلى هذا المعنى ذهب عليّ رضي الله عنه ، وابن عباس في آخرين. والثاني : آية الليل محيت بالظّلمة التي جعلت ملازمة للّيل ؛ فنسب المحو إلى الظّلمة إذ كانت تمحو الأنوار وتبطلها ، ذكره ابن الأنباري. ويروى أنّ الشمس والقمر كانا في النّور والضّوء سواء ، فأرسل الله جبريل فأمرّ جناحه على وجه القمر وطمس عنه الضّوء.
قوله تعالى : (وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ) يعني : الشمس (مُبْصِرَةً) فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : منيرة ، قاله قتادة. قال ابن الأنباري : وإنما صلح وصف الآية بالإبصار على جهة المجاز ، كما يقال : لعب الدّهر ببني فلان. والثاني : أنّ معنى (مُبْصِرَةً) : مبصرا بها ، قاله ابن قتيبة. والثالث : أنّ معنى (مُبْصِرَةً) مبصّرة ، فجرى «مفعل» ، مجرى «مفعّل» ، والمعنى : أنها تبصّر الناس ، أي : تريهم الأشياء ، قاله ابن الأنباري. ومعاني الأقوال تتقارب.
قوله تعالى : (لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) أي : لتبصروا كيف تتصرّفون في أعمالكم وتطلبون رزقكم بالنهار (وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) بمحو آية الليل ، ولو لا ذلك ، لم يعرف الليل من النّهار ، ولم يتبيّن العدد. (وَكُلَّ شَيْءٍ) أي : ما يحتاج إليه ، (فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً) بيّنّاه تبيينا لا يلتبس معه بغيره.
(وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (١٣) اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (١٤))
قوله تعالى : (وَكُلَّ إِنسانٍ) وقرأ ابن أبي عبلة «وكلّ» برفع وقرأ ابن مسعود ، وأبيّ ، والحسن «ألزمناه طيره» بياء ساكنة من غير ألف. وفي الطّائر أربعة أقوال : أحدها : شقاوته وسعادته ، قاله أبو صالح عن ابن عباس. قال مجاهد : ما من مولود يولد إلّا وفي عنقه ورقة مكتوب فيها شقيّ ، أو سعيد. والثاني : عمله ، قاله الفرّاء ، وعن الحسن كالقولين. والثالث : أنه ما يصيبه ، قاله خصيف. وقال أبو عبيدة : حظّه. قال ابن قتيبة : والمعنى فيما أرى ـ والله أعلم ـ : أنّ لكلّ امرئ حظّا من الخير والشرّ قد قضاه الله عليه ، فهو لازم عنقه ، والعرب تقول لكلّ ما لزم الإنسان : قد لزم عنقه ، وهذا لك عليّ وفي عنقي حتى أخرج منه ، وإنما قيل للحظّ من الخير والشرّ : «طائر» ، لقول العرب : جرى له الطّائر بكذا من الخير ، وجرى له الطّائر بكذا من الشرّ ، على طريق الفأل والطّيرة ، فخاطبهم الله بما يستعملون ،
__________________
(١) منكر. أخرجه الطبري ٢٢١١٦ عن سلمان الفارسي موقوفا ، وإسناده ضعيف ، إبراهيم النخعي عن سلمان منقطع ، والمتن منكر ، والأشبه أنه متلقى عن كتب الأقدمين.