في آخرين : هذه خاصة لإبليس ، لم يدع أحد من الملائكة إلى عبادة نفسه سواه ؛ قال أبو سليمان الدّمشقي : وهذا قول من قال : إنه من الملائكة ، فإنّ إبليس قال ذلك للملائكة الذين هبطوا معه إلى الأرض ، ومن قال : إنه ليس من الملائكة ، قال : هذا على وجه التّهديد ، وما قال أحد من الملائكة ذلك.
(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (٣٠) وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣١) وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (٣٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣))
قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : أولم يعلموا. وقرأ ابن كثير : «ألم ير الذين كفروا» بغير واو بين الألف واللام ، وكذلك هي في مصاحف أهل مكّة ، (أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) قال أبو عبيدة : السّموات جمع ؛ والأرض واحدة ، فخرجت صفة لفظ الجمع على لفظ صفة الواحد والعرب تفعل هذا إذا أشركوا بين الجمع وبين واحد ؛ والرّتق مصدر يوصف به الواحد والاثنان والجمع والمذكّر والمؤنث سواء ، ومعنى الرّتق : الذي ليس فيه ثقب. قال الزّجّاج : المعنى : كانتا ذواتي رتق ، فجعلناهما ذوات فتق ، وإنما لم يقل : «رتقين» لأنّ الرّتق مصدر. وللمفسّرين في المراد به ثلاثة أقوال : أحدها : أنّ السموات كانت رتقا لا تمطر ، وكانت الأرض رتقا لا تنبت ، ففتق هذه بالمطر ، وهذه بالنبات ، رواه عبد الله بن دينار عن ابن عباس ، وبه قال عطاء ، وعكرمة ، ومجاهد في رواية ، والضّحّاك في آخرين. والثاني : أنّ السموات والأرض كانتا ملتصقتين ، ففتقهما الله تعالى ، رواه العوفيّ عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وسعيد بن جبير ، وقتادة. والثالث : أنّه فتق من الأرض ستّ أرضين فصارت سبعا ، ومن السماء ستّ سموات فصارت سبعا ، رواه السّدّيّ عن أشياخه ، وابن أبي نجيح عن مجاهد.
قوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) وقرأ معاذ القارئ وابن أبي عبلة وحميد بن قيس : «كلّ شيء حيّا» بالنصب. وفي هذا الماء قولان : أحدهما : أنه الماء المعروف ، والمعنى : جعلنا الماء سببا لحياة كلّ حيّ ، قاله الأكثرون. والثاني : أنه النّطفة ، قاله أبو العالية.
قوله تعالى : (وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) قد فسّرناه في سورة النّحل (١). قوله تعالى : (وَجَعَلْنا فِيها) أي : في الرّواسي (فِجاجاً) ، قال أبو عبيدة : هي المسالك. قال الزّجّاج : الفجاج جمع فجّ ، وهو كلّ منخرق بين جبلين ، ومعنى (سُبُلاً) طرقا. قال ابن عباس : جعلنا من الجبال طرقا كي تهتدوا إلى مقاصدكم في الأسفار. قال المفسّرون. وقوله : (سُبُلاً) تفسير للفجاج ، وبيان أنّ تلك الفجاج نافذة مسلوكة ، فقد يكون الفجّ غير نافذ. (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً) أي : هي للأرض كالسّقف. وفي معنى (مَحْفُوظاً) قولان : أحدهما : بالنّجوم من الشياطين ، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني : محفوظا من الوقوع إلّا بإذن الله ، قاله الزّجّاج.
__________________
(١) سورة النحل : ١٥.