«ينشرون» بفتح الياء وضمّ الشين. وهذا استفهام بمعنى الجحد ، والمعنى : ما اتّخذوا آلهة تنشر ميتا. (لَوْ كانَ فِيهِما) يعني : السماء والأرض (آلِهَةٌ) يعني : معبودين (إِلَّا اللهُ) قال الفرّاء : سوى الله. وقال الزّجّاج : غير الله.
قوله تعالى : (لَفَسَدَتا) أي : لخربتا وبطلتا وهلك من فيهما ، لوجود التّمانع بين الآلهة ، فلا يجري أمر العالم على النّظام ، لأنّ كلّ أمر صدر عن اثنين فصاعدا لم يسلم من الخلاف.
قوله تعالى : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) أي : عمّا يحكم في عباده من هدي وإضلال ، وإعزاز وإذلال ، لأنه المالك للخلق ، والخلق يسألون عن أعمالهم ؛ لأنهم عبيد يجب عليهم امتثال أمر مولاهم. ولمّا أبطل عزوجل أن يكون إله سواه من حيث العقل بقوله : (لَفَسَدَتا) ، أبطل ذلك من حيث الأمر فقال : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) وهذا استفهام إنكار وتوبيخ (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ) على ما تقولون ، (هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ) يعني : القرآن خبر من معي على ديني ممّن يتّبعني إلى يوم القيامة بما لهم من الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية (وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) يعني : الكتب المنزّلة ، والمعنى : هذا القرآن ، وهذه الكتب التي أنزلت قبله ، فانظروا هل في واحد منها أنّ الله أمر باتّخاذ إله سواه؟ فبطل بهذا البيان جواز اتّخاذ معبود غيره من حيث الأمر به ، قال الزّجّاج : قيل لهم : هاتوا برهانكم بأنّ رسولا من الرّسل أخبر أمّته بأنّ لهم إلها غير الله!. قوله تعالى : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ) يعني : كفّار مكّة (لا يَعْلَمُونَ الْحَقَ) وفيه قولان : أحدهما : أنه القرآن ، قاله ابن عباس. والثاني : التوحيد ، قاله مقاتل (فَهُمْ مُعْرِضُونَ) عن التّفكّر والتّأمّل وما يجب عليهم من الإيمان.
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (٢٨) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٢٩))
قوله تعالى : (مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي) قرأ حمزة ، والكسائيّ ، وحفص عن عاصم : «إلا نوحي» بالنون ؛ والباقون بالياء. قوله تعالى : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً) في القائلين لهذا قولان : أحدهما : أنهم مشركو قريش ، قاله ابن عباس. وقال ابن إسحاق : القائل لهذا النّضر بن الحارث. والثاني : أنهم اليهود قالوا : إنّ الله صاهر الجنّ فكانت منهم الملائكة ، قاله قتادة. فعلى القولين ، المراد بالولد : الملائكة ، وكذلك المراد بقوله : (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) ، والمعنى : بل عباد أكرمهم الله واصطفاهم ، (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ) ، أي : لا يتكلّمون إلّا بما يأمرهم به. وقال ابن قتيبة : لا يقولون حتى يقول ، ثم يقولون عنه ، ولا يعملون حتى يأمرهم. قوله تعالى : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) أي : ما قدّموا من الأعمال (وَما خَلْفَهُمْ) ما هم عاملون ، ولا يشفعون يوم القيامة ، وقيل : لا يستغفرون في الدنيا (إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) أي : لمن رضي عنه ، (وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ) أي : من خشيتهم منه ، فأضيف المصدر إلى المفعول ، (مُشْفِقُونَ) أي : خائفون. وقال الحسن : يرتعدون. (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ) أي : من الملائكة. قال الضّحّاك