لا يفتر ، ويصوم النهار لا يفطر ، ويقضي بين الناس ولا يغضب ، فادفع ملكك إليه ، ففعل ذلك ، فقام شابّ فقال : أنا أتكفّل لك بهذا ، فتكفّل به ، فوفى ، فشكر الله له ذلك ، ونبّأه ، وسمّي : ذا الكفل.
(٩٩٦) وقد ذكر الثّعلبيّ حديث ابن عمر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الكفل : «أنه كان رجلا لا ينزع عن ذنب ، وأنه خلا بامرأة ليفجر بها ، فبكت ، وقالت : ما فعلت هذا قطّ ، فقام عنها تائبا ، ومات من ليلته ، فأصبح مكتوبا على بابه : قد غفر الله للكفل» ؛ والحديث معروف ، وقد ذكرته في «الحدائق» ، فجعله الثّعلبيّ أحد الوجوه في بيان ذي الكفل ، وهذا غلط ، لأنّ ذلك اسمه الكفل ، والمذكور في القرآن : ذو الكفل ، ولأنّ الكفل مات في ليلته التي تاب فيها ، فلم يمض عليه زمان طويل يعالج فيه الصبر عن الخطايا ، وإذا قلنا : إنه نبيّ ، فإنّ الأنبياء معصومون عن مثل هذا الحال. وذكرت هذا لشيخنا أبي الفضل بن ناصر ، فوافقني ، وقال : ليس هذا بذاك.
قوله تعالى : (كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ) أي : على طاعة الله وترك معصيته ، (وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا) في هذه الرّحمة ثلاثة أقوال : أحدها : أنها الجنة ، وقاله ابن عباس. والثاني : النبوّة ، قاله مقاتل. والثالث : النّعمة والموالاة ، حكاه أبو سليمان الدّمشقي.
(وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (٨٨))
قوله تعالى : (وَذَا النُّونِ) يعني : يونس بن متّى. والنّون : السّمكة ؛ أضيف إليها لابتلاعها إيّاه. قوله تعالى : (إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) قال ابن قتيبة : المغاضبة : مفاعلة ، وأكثر المفاعلة من اثنين ، كالمناظرة
__________________
(٩٩٦) ضعيف. أخرجه الترمذي ٢٤٩٦ وأحمد ٢ / ٢٣ والحاكم ٤ / ٢٥٤ ح ٧٦٥١ من حديث ابن عمر. صححه الحاكم! ووافقه الذهبي! وكذا صححه أحمد شاكر في «المسند»!
مع أن مداره على سعد مولى طلحة ، وهو مجهول كما في «التقريب».
وأخرجه ابن حبان ٣٨٧ عن عبد الله الرازي عن سعيد بن جبير عن ابن عمر ، وهذا إسناد ظاهره الحسن ، لكنه معلول. وقال الترمذي عقب روايته : حديث حسن ، ورواه غير واحد عن الأعمش فرفعوه.
ورواه بعضهم فلم يرفعه ، ورواه أبو بكر بن عياش فأخطأ فيه ، فقال : عن سعيد بن جبير عن ابن عمر ، وهو غير محفوظ اه. وهو كما قال الترمذي رحمهالله. وهذا الحديث إنما يعرف بسعد مولى طلحة ، وهو مجهول. وهناك علة أخرى ، وهي الاضطراب في المتن. ففي «مسند أحمد» و «سنن الترمذي» و «المستدرك» ، «كان الكفل» ، وعند ابن حبان «كان ذو الكفل» وعند ابن حبان «سمعته أكثر من عشرين مرة» وعند غيره «سبع مرات» وهذه الرواية تدل على وهنه. فلو كرره النبي صلىاللهعليهوسلم عشرين مرة أو سبع مرات لرواه عدد من الصحابة. ولحمله جماعة من التابعين. كيف ولم يروه سوى رجل مجهول. فالخبر واه ، وقد استغربه ابن كثير في «تفسيره» ٣ / ٢٤١ لكنه ذكر أنه لم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة ، والصواب أن الترمذي قد رواه كما تقدم. وقال الحافظ ابن كثير في «تاريخه» ١ / ٢٢٦ : غريب جدا. وفي إسناده نظر ، فإن سعدا قال أبو حاتم : لا أعرفه إلا بحديث واحد. ووثقه ابن حبان ولم يرو عنه سوى عبد الله الرازي اه. وقد ورد نحو هذه القصة في خبر الثلاثة الذين أطبق عليهم الغار. ومما يدل على وهن هذا الحديث أن الكفل هذا أو «ذا الكفل» مات في الليلة التي تاب فيها ، فكيف ذلك والآية وصفت إياه بالصبر؟! فتنبه والله أعلم. وانظر «تفسير ابن كثير» عند هذه الآية بتخريجي ، وانظر «تفسير الشوكاني» ١٦٣٧ بتخريجنا. والله الموفق.